كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير استقصائي، عن تفاصيل جديدة تتعلق باستراتيجية الاستخبارات الإيرانية لاختراق الداخل الإسرائيلي، عبر تجنيد مواطنين إسرائيليين باستخدام حسابات وهمية على الإنترنت، مقابل مبالغ مالية متفاوتة.
ووفق الصحيفة، فقد بدأت هذه الأنشطة قبل أشهر من الهجوم الإسرائيلي الواسع على إيران، المعروف باسم “عملية الأسد الصاعد”، والتي انطلقت في 13 يونيو الماضي، وخلال هذه الفترة، اعتُقل نحو 30 إسرائيليًا بتهم تتعلق بالتجسس والتخابر مع طهران، وقد صدرت أولى الأحكام القضائية ضد بعضهم، بينها حكم بالسجن لمدة عشر سنوات على أحد المتهمين.

تفاصيل تجنيد إيران للإسرائيليين.. رسائل مجهولة وهوية وهمية
بحسب وثائق محكمة نقلتها الصحيفة، تبدأ عملية التجنيد بتلقي المستهدف رسالة من مصدر مجهول تحمل عناوين جذابة مثل “وكالة الأنباء” أو “طهران القدس”، تطلب معلومات عن الحرب أو تنفيذ مهام بسيطة مقابل المال.
أحد هذه الرسائل، التي وصلت إلى شاب من أصول فلسطينية، جاء فيها: “القدس الحرة توحد المسلمين.. أرسل لنا معلومات عن الحرب”، مرفقة برابط إلى تطبيق تلغرام لاستكمال التواصل.
وبعد قبول المهمة، يُطلب من المجند فتح حسابات مالية إلكترونية مثل “باي بال” أو محافظ للعملات الرقمية، لتسهيل عمليات التحويل المالي.
مهام تبدأ بالبسيط وتنتهي بمحاولات اغتيال
تنوعت المهام التي كُلّف بها المجندون بين أعمال سطحية وأخرى خطيرة. فبينما عُرض على أحدهم 1000 دولار للتحقق من وجود حقيبة سوداء في إحدى الحدائق، طُلب من آخر نشر شعارات مناهضة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مثل: “كلنا ضد بيبي” و”بيبي = هتلر”.

وفي مراحل لاحقة، بدأت المهام تتصاعد خطورتها، حيث طلب من بعضهم تصوير مواقع استراتيجية، شملت:
ميناء حيفا
قاعدة نيفاتيم الجوية
مقر الاستخبارات العسكرية شمال تل أبيب
بطاريات القبة الحديدية
معهد “وايزمان” للأبحاث النووية (الذي تعرّض لاحقًا لهجوم صاروخي إيراني)
ووفق “الغارديان”، رجّحت المصادر أن الصور التي تم جمعها ساعدت إيران في تحديد أهدافها خلال الضربة الانتقامية التي شنّتها على منشآت إسرائيلية.
مخططات اغتيال مقابل عشرات الآلاف من الدولارات
في واحدة من أخطر المهام، طُلب من أحد المجندين زرع جهاز تتبع في سيارة عالم نووي إسرائيلي، وعرض عليه مبلغ 60 ألف دولار لاغتيال العالم مع أفراد أسرته، وحرق منزلهم.
قام المجند بمحاولة تنفيذ المهمة عبر استئجار أربعة شبان، إلا أنهم فشلوا في تنفيذها.
كما وردت عروض مباشرة من عملاء إيرانيين لمجندين بتصفية شخصيات رفيعة، من بينها:
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
رئيس جهاز “الشاباك”
وزير الدفاع الإسرائيلي
رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت
وكان أحد العروض يشمل مكافأة قدرها 150 ألف دولار، إلا أن أحد المجندين رفض المبلغ وطلب مليون دولار، بحسب الوثائق.
اقرأ أيضًا:
جنرال إسرائيلي يرسم 5 سيناريوهات محتملة لعلاقة إسرائيل بإيران بعد التصعيد العسكري
ردود إسرائيلية واختراق متبادل
وفي المقابل، نقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية أن الاستخبارات الإسرائيلية تمكّنت من اختراق الجيش والأمن الإيرانيين، ونفّذت سلسلة اغتيالات دقيقة استهدفت قادة وعلماء نوويين داخل طهران في الساعات الأولى من هجوم 13 يونيو، بالاعتماد على شبكة عملاء داخل إيران نفسها.
من جهتها، أكدت وكالة “فارس” الإيرانية أن السلطات في طهران اعتقلت أكثر من 700 شخص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل منذ بداية الحرب.
يعكس هذا التقرير حجم الحرب الاستخباراتية الصامتة بين إيران وإسرائيل، والتي تجاوزت حدود الجبهات العسكرية التقليدية، وصولًا إلى الفضاء الرقمي، حيث تتحول الرسائل المشفّرة والمنصات الاجتماعية إلى ساحات تجنيد وتصفية، وسط سباق محموم لجمع المعلومات وتنفيذ الاغتيالات، في ظل تصعيد غير مسبوق بين الخصمين الإقليميين.