في ظل عودة التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، كشفت صحيفة فايننشال تايمز أن بكين بدأت بإعادة توجيه صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر دول جنوب شرق آسيا، كوسيلة للالتفاف على الرسوم الجمركية المشددة التي أعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التلويح بها مجددًا.

انخفاض حاد في الصادرات المباشرة إلى الولايات المتحدة
وفقًا لبيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي، تراجعت قيمة الصادرات الصينية المباشرة إلى الولايات المتحدة بنسبة 43% في مايو 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، أي ما يعادل 15 مليار دولار من البضائع، في واحدة من أكبر الانخفاضات المسجلة خلال السنوات الأخيرة.
تحوّل استراتيجي نحو أسواق بديلة
ورغم هذا التراجع، أظهرت البيانات الرسمية الصينية أن إجمالي صادرات البلاد ارتفع بنسبة 4.8% خلال الفترة نفسها، حيث عوّضت بكين النقص في تجارتها مع واشنطن من خلال تعزيز صادراتها إلى شركاء تجاريين آخرين.
فقد ارتفعت الشحنات إلى دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بنسبة 15%، وإلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 12%، ما يشير إلى تحوّل استراتيجي في شبكة التجارة الصينية باتجاه شركاء أقل تأثرًا بالعقوبات الأمريكية.
فيتنام مركز عبور رئيسي للصادرات الصينية
في هذا السياق، قالت شركة “أمبري” البريطانية للأمن البحري إن صورًا تحليلية أظهرت أضرارًا بميناء يمني نتيجة ضربات إسرائيلية، لكنها أكدت أيضًا تزايد الشحن غير المباشر من الصين إلى الولايات المتحدة عبر دول مثل فيتنام.
وقدّرت دراسة منفصلة أجرتها شركة “كابيتال إيكونوميكس” أن نحو 3.4 مليار دولار من البضائع الصينية تم توجيهها عبر فيتنام في مايو وحده، بزيادة 30% عن نفس الشهر من العام الماضي، كما زادت التجارة غير المباشرة عبر إندونيسيا بنسبة 25%، بما يعادل 0.8 مليار دولار في مايو 2025.
قطاع الإلكترونيات يقود موجة التحويل التجاري
شهدت صادرات المكونات الإلكترونية، مثل الدوائر المطبوعة، وأجزاء أجهزة الهاتف، ووحدات العرض المسطحة، إلى فيتنام ارتفاعًا بنسبة 54%، بما يعادل 2.6 مليار دولار خلال شهر مايو مقارنة بالعام السابق، ما يعكس اعتماد الصين المتزايد على دول الجوار لإعادة تصدير هذه المنتجات.
الهند والمكسيك تدخلان على خط إعادة التوجيه التجاري
في الهند، تركز التأثير في قطاع الهواتف الذكية، وسط تحرك شركة “آبل” نحو تجميع أجهزة “آيفون” المخصصة للسوق الأمريكية داخل الهند بحلول العام المقبل، وأظهرت البيانات ارتفاع الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة بنسبة 17%، بينما زادت الواردات من الصين وهونغ كونغ بنسبة 22.4%، بحسب “أجاي سريفاستافا”، مؤسس مبادرة أبحاث التجارة العالمية.
كما شهدت المكسيك أيضًا نموًا كبيرًا في صادراتها إلى السوق الأمريكية، ما يعكس استمرار نمط “التحول الفوري” في التجارة العالمية الذي ظهر خلال الحرب التجارية الأولى بين الولايات المتحدة والصين.
اقرأ أيضًا
تمهيدًا لقمة حاسمة مع ترامب.. نتنياهو يلتقي روبيو في واشنطن
اتفاقيات جديدة وتعريفات إضافية مرتقبة
في تحرك استباقي، أعلنت واشنطن هذا الأسبوع عن توقيع اتفاقية تجارية مع فيتنام تتضمن فرض ضريبة بنسبة 40% على البضائع المصدّرة عبر أراضيها، في خطوة اعتبرها مراقبون موجهة بشكل مباشر لإبطاء عمليات إعادة التصدير من الصين.
من جانب آخر، تنتهي الأربعاء المقبل فترة تعليق الرسوم الجمركية “المتبادلة” التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى، وسط توقعات بأن تشمل أي صفقات تجارية مستقبلية رسومًا إضافية على الشحن، مع إعلان وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، أن الرسوم الجمركية الجديدة ستدخل حيز التنفيذ في أغسطس المقبل.
أوروبا تراقب بحذر
في أوروبا، أفادت المفوضية الأوروبية، يوم الجمعة، بوجود زيادات حادة في واردات المنسوجات، المواد الكيميائية، والآلات في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ومع ذلك، شدد المسؤولون الأوروبيون على أن الوقت لا يزال مبكرًا لاستخلاص نتائج قاطعة بشأن ما إذا كانت هذه الزيادة مرتبطة بإعادة التصدير الصيني.