في أعماق خليج البنغال، تعيش قبيلة معزولة على جزيرة نائية تُعرف باسم “نورث سينتينيل”، وتعرف باسم الجزيرة وهي من أكثر القبائل عزلة على وجه الأرض، وشعب لا يزال يرفض كل أشكال التواصل مع العالم الحديث.
ومع استعداد الهند لإجراء أول تعداد سكاني وطني لها منذ أكثر من عقد في عام 2027، تلوح في الأفق أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث يُحذر الخبراء من أن مجرد محاولة إحصاء سكان هذه الجزيرة قد يُفضي إلى كارثة دموية أو يؤدي إلى إبادة جماعية صامتة.
قصة «شعب سينتينيل المعزول»
قبيلة سينتينيل، التي تعيش على الجزيرة التي تحمل اسمها، لطالما أبدت عداءً صريحًا تجاه الغرباء. ويُعرف أفرادها بعدم ترددهم في استخدام العنف دفاعًا عن أرضهم وعزلتهم.
في عام 2006، قُتل صيادان هنديان بوحشية بالفؤوس بعد أن انجرف قاربهما عن طريق الخطأ إلى شواطئ الجزيرة.

ووفقًا لشهود عيان، جرى تعليق جثتيهما لاحقًا على أعواد من الخيزران، في مشهد مروع وصفه قائد شرطة هندي كان على صلة بالحادثة بأنه “فزّاعة بشرية”.
بعد كارثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004، تصدرت هذه القبيلة عناوين الصحف الدولية، عندما أطلق أحد أفرادها سهمًا باتجاه مروحية عسكرية هندية كانت تجري مسحًا جويًا لأغراض إنسانية.
ومنذ ذلك الحين، فرضت الحكومة الهندية حظرًا صارمًا على الاقتراب من الجزيرة أو التواصل مع سكانها، بل وأعلنت في عام 2014 رسميًا عن احترامها لحق قبيلة سينتينيل في العيش في عزلة تامة.
قصة قبيلة على حافة الزوال
لكن هذا القرار يواجه الآن اختبارًا صعبًا، مع بدء التحضيرات للتعداد السكاني المرتقب.
المسؤولون الهنود يواجهون معضلة شائكة: كيف يمكنهم إحصاء سكان لا يريدون أن يُعثَر عليهم؟ كيف يمكن إجراء تعداد دون إثارة ردود فعل عنيفة أو نقل أمراض قد تفتك بسكان لا يمتلكون أي مناعة ضد الفيروسات الحديثة؟
الدكتور “م. ساسيكومار”، المدير المشارك للجمعية الأنثروبولوجية الهندية، أكد وجود مناقشات حول إمكانية استخدام تقنيات مثل الطائرات بدون طيار أو صور الأقمار الصناعية لرسم خريطة سكانية للجزيرة، لكنه أشار إلى شكوك حول دقة تلك الوسائل، وتساءل عن مدى أخلاقيتها.
جوناثان مازور، من منظمة “البقاء الدولية”، أضاف تحذيرًا أكثر خطورة بقوله: “أي تواصل، ولو غير مباشر، مع شعب يفتقر إلى مناعة ضد الأمراض المنتشرة في العالم الخارجي، يمكن أن يكون بمثابة حكم بالإعدام لهم”.
هذا التحدي لا يقتصر على قبيلة سينتينيل فقط. في جزيرة نيكوبار الكبرى، تواجه الحكومة أيضًا صعوبات في إحصاء شعب شومبين، وهي قبيلة شبه بدوية يُعتقد أن عدد أفرادها لا يتجاوز 200 شخص.
ويعيش أفرادها في أعماق الغابات الكثيفة، بعيدًا عن الحياة الحديثة، وهم أيضًا في مرمى تهديدات التطوير العمراني.

في «جزيرة الفصح» اكتشاف مزهل يقلب التاريخ رأسًا على عقب
خطط لبناء مطار وميناء كبيرين في الجزيرة
في وقت سابق من هذا العام، أثارت خطط لبناء مطار وميناء كبيرين في الجزيرة موجة من الغضب الدولي، حيث وصف عشرات من خبراء الإبادة الجماعية المشروع بأنه “حكم بالإعدام” لشعب شومبين، في رسالة مفتوحة وُجّهت إلى رئيس الهند.
تُظهر تجربة التعداد السكاني لعام 2011 مدى تعقيد الوضع. فبينما تمكنت السلطات من إجراء إحصاء جزئي فقط لشعب شومبين، لم يُسجَّل أي رقم رسمي لسكان جزيرة سينتينيل.
آنذاك، استند المسؤولون إلى ملاحظات بصرية من البحر، وقدّروا أن عدد سكان الجزيرة لا يتجاوز 15 فردًا، من بينهم 12 رجلاً وثلاث نساء.
ولكن الاقتراب من هذه القبيلة كان ولا يزال محفوفًا بالمخاطر القاتلة. ففي عام 2018، قُتل المبشر الأمريكي “جون ألين تشاو” أثناء محاولته دخول الجزيرة سراً بهدف تبشير سكانها بالمسيحية.
وفي زيارته الثالثة، وبعد محاولات فاشلة للتقرب إليهم عبر الهدايا والكلمات، أُجهِز عليه، ووفقًا للصياد الذي أوصله إلى المكان، جرى سحب جثته من قبل رجال القبيلة بحبل حول عنقه، ثم دُفنت في مكان غير معروف.
وفي واقعة أخرى، هذا العام، أُلقي القبض على مغامر أمريكي يُدعى “ميخايلو فيكتوروفيتش بولياكوف” بعد قيامه برحلة غير قانونية استمرت تسع ساعات إلى المحمية المحظورة.
وترك علبة “كوكاكولا” كـ”قربان” للقبيلة، في خطوة وصفها الخبراء بأنها “مقلقة للغاية”، وأشاروا إلى أن هذه المحاولة لم تُعرّض حياته فقط للخطر، بل عرّضت شعب سينتينيل بأكمله لخطر الانقراض، في حال انتقال فيروس بسيط مثل الحصبة أو الإنفلونزا.
الهند الآن تقف أمام معضلة معقدة: هل تُخاطر بأرواح موظفيها وسكان الجزيرة من أجل بضعة أرقام في السجلات؟ أم تواصل احترام عزلة القبيلة، ولو على حساب اكتمال بياناتها السكانية؟
قد تكون الإجابة واضحة من منظور أخلاقي وإنساني، ولكن في عالم تسوده البيروقراطية، تبقى حياة شعب سينتينيل معلقة بخيط رفيع بين البقاء والانقراض.