تدخل الولايات المتحدة مرحلة مالية حساسة بعد قرار رفع سقف الدين العام، وسط تحذيرات متزايدة من تداعيات اقتصادية خطيرة، ليس فقط على الاقتصاد الأميركي، بل على النظام المالي العالمي بأكمله.
ففي أعقاب تمرير ما يُعرف بـ«القانون الكبير الجميل» الذي اقترحه الرئيس دونالد ترامب مطلع يوليو 2025، ارتفع سقف الدين الأميركي إلى مستوى غير مسبوق بلغ 41.1 تريليون دولار، بعد أن كان 36.1 تريليوناً منذ يناير من العام نفسه.
وفي تطور صادم، كشفت بيانات وزارة الخزانة الأميركية أن الدين العام ارتفع بمقدار 410 مليارات دولار خلال يومين فقط عقب رفع السقف، في واحدة من أسرع قفزات الدين على الإطلاق.
خطوات فنية… لكن الأرقام مذهلة
هذا الارتفاع الكبير، بحسب خبراء ماليين، ناتج عن عملية فنية مؤجلة كانت تنتظر تمرير رفع السقف، وتتضمن:
-
إعادة ملء حساب الخزانة الأميركية الذي استُنزف خلال فترة الإجراءات الاستثنائية.
-
تسوية التزامات مالية مؤجلة.
-
إلغاء تأجيلات دفع سبق اعتمادها للحفاظ على السيولة.
لكن رغم الطابع الفني، فإن فتح الباب أمام اقتراض 5 تريليونات إضافية يضع الاقتصاد الأميركي أمام تحديات غير مسبوقة، خاصة أن الدين كان يبلغ نحو 23.2 تريليون دولار فقط في مطلع عام 2020، أي أن الولايات المتحدة رفعت دينها بنسبة 77% خلال أقل من خمس سنوات.
سباق نحو الحافة.. والوقت ينفد
بحسب الوتيرة الحالية للإنفاق والاقتراض، سيتم استنفاد السقف الجديد البالغ 41.1 تريليون دولار خلال أقل من 28 شهراً، أي قبل نهاية عام 2027، ما ينذر بعودة أزمة سقف الدين إلى الواجهة سريعاً.
وفي مايو الماضي، سجّلت وزارة الخزانة عجزاً شهرياً قدره 316 مليار دولار، وهو ثالث أعلى رقم في التاريخ، فيما بلغ العجز خلال أول 8 أشهر من السنة المالية 2025 نحو 1.37 تريليون دولار، ما يكرّس الاتجاه التصاعدي لعجز الموازنة العامة.
تكلفة الفائدة تكسر كل الأرقام
واحدة من أخطر مؤشرات أزمة الدين الحالي تتمثل في تكاليف خدمة الدين (الفوائد)، حيث أنفقت الحكومة الأميركية في عام 2024 مبلغاً قياسياً وصل إلى 1.2 تريليون دولار على الفوائد وحدها، متجاوزة:
-
الإنفاق الدفاعي (855 مليار دولار).
-
الرعاية الصحية (618 مليار دولار).
وبحسب تقديرات رسمية، قد تصل تكلفة الفوائد إلى 2 تريليون دولار سنوياً خلال سنوات قليلة، ما يعني أن الحكومة قد تصبح عاجزة عن تمويل برامجها الأساسية دون مزيد من الاقتراض، في دائرة مفرغة لا تنتهي.
الدين الأميركي “أزمة تتكرر… ولا حلول في الأفق”
منذ بداية القرن، أصبحت أزمة سقف الدين ظاهرة دورية في واشنطن، تندلع كل عامين تقريباً بسبب الانقسامات السياسية الحادة حول أولويات الإنفاق.
-
شهدت أميركا أزمات مشابهة في يونيو 2023، وأكتوبر 2021، ومناسبات سابقة أخرى.
-
بلغ متوسط عجز الموازنة الأميركية 9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية، وهو أعلى من عجز معظم الدول خلال أوقات الركود.
ويصف خبراء اقتصاديون الوضع الحالي بأنه «قنبلة موقوتة» تهدد التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وتضع ضغطاً هائلاً على الأسواق العالمية، باعتبار أن السندات الأميركية تُعتبر الملاذ الآمن الأول في العالم.
تحذيرات من الداخل والخارج
أطلقت مؤسسات مالية ومراكز بحثية أميركية ودولية تحذيرات قوية، تؤكد أن الاستمرار في سياسة الإنفاق دون ضوابط يهدد بثلاث نتائج رئيسية:
-
انفجار تكاليف خدمة الدين بشكل غير مستدام.
-
تراجع ثقة المستثمرين في السندات الأميركية.
-
مخاطر ركود اقتصادي في حال ارتفاع أسعار الفائدة أكثر لكبح التضخم.
وبينما يُطالب البعض بفرض ضرائب جديدة أو خفض برامج الإنفاق، يواجه صناع القرار في واشنطن مأزقاً سياسياً كبيراً، إذ من الصعب تمرير إجراءات تقشفية أو إصلاحات ضريبية في ظل الانتخابات الرئاسية المقبلة وتصاعد الاستقطاب الحزبي.
أزمة الدين الأميركي لم تعد مجرد قضية محاسبية أو سياسية داخلية، بل باتت ملفاً اقتصادياً عالمياً بامتياز. ومع استمرار ارتفاع العجز والإنفاق الحكومي، يصبح سؤال “إلى متى يمكن للولايات المتحدة الاقتراض دون تداعيات؟” أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
وإذا لم تُتخذ إجراءات حقيقية وجذرية، فقد تكون السنوات القادمة مسرحاً لأزمة مالية عالمية جديدة… مصدرها هذه المرة قلب الاقتصاد الأميركي.
تابع ايضًا…ترامب يعيد التوترات التجارية.. فرض رسوم جديدة على أكثر من 12 دولة وتحذيرات من موجة تضخم عالمية