في قلب حي فيندا نوفا، أحد الأحياء المتواضعة بمدينة أمادورا غرب لشبونة، نشأ جورجي جيسوس وسط أجواء بسيطة ومليئة بالحياة. كانت طفولته مزيجًا من المشاكسة والطموح، لا يغيب عنها صوت الكرة التي تدور بين أقدام أطفال الحي، ولا تسقط فيها صورة الفتى الشغوف الذي لا يمنعه العقاب أو التعب من اللحاق بالحلم، حتى لو تطلّب الأمر تسلق عمود إنارة هربًا من نوافذ المنزل المغلقة.
وُلد جورجي فرناندو بينهيرو دي جيسوس في 24 يوليو 1954 لعائلة كادحة؛ والده كان لحامًا، ووالدته تدير شؤون البيت وتُربيه هو وأخاه خوسيه. في تلك الأزقة، ترسّخت علاقته الأولى بكرة القدم، حيث لم تكن ملاعب الأكاديميات متاحة، فكانت الشوارع ملعبًا ومدرسة.
الاختيار الحاسم: جيسوس مابين المعمل والكرة
اضطر جورجي للعمل مبكرًا مع والده في مصنع للكابلات، وكاد حادث عمل أن يُفقده إحدى عينيه. حينها، قرر أن يحسم مستقبله؛ فاختار الكرة على الآلات، والعشب الأخضر على شرر الحديد.
بدأ مشواره كلاعب في أكاديمية سبورتينغ لشبونة عام 1969، واستمرت رحلته داخل الملاعب حتى 1989. تنقّل خلال تلك الفترة بين عدة أندية برتغالية، من بينها بنفيكا، وأولهانينسي، وبيلينينسيس، وسجّل 14 هدفًا في 166 مباراة، في مسيرة متواضعة فنيًا لكنها غنية على مستوى الخبرة والاحتكاك.
رحلة التدريب: من المجهول إلى النخبة
في العام التالي لاعتزاله، بدأ مشواره التدريبي مع فريق أمورا البرتغالي. تنقل في التسعينيات بين فرق الظل، جامعًا الخبرة عامًا بعد عام، حتى وصل إلى الدرجة الأولى مع فريق فيلجويرا موسم 1995-1996.
بداية الألفية شهدت تحوّلًا تدريجيًا، إذ أشرف على فرق مثل بيلينينسيس وفيتوريا سيتوبال، لكنه انتقل إلى مرحلة جديدة كليًا في 2009 عندما تولى تدريب بنفيكا. هناك، بدأ اسمه يبرز على الساحة الأوروبية، بعدما قاد الفريق للفوز بثلاثة ألقاب دوري، وخمسة في كأس الرابطة، ولقب لكل من كأس البرتغال والسوبر المحلي. كما بلغ نهائي الدوري الأوروبي مرتين، في إنجاز لم يتحقق كثيرًا في تاريخ الكرة البرتغالية.
الهلال وفلامنغو.. بوابة النجاح العالمي
في 2018، خاض أولى تجاربه خارج أوروبا من بوابة الهلال السعودي، وتوّج معه بلقب السوبر المحلي، قبل أن يغادر بعد ستة أشهر فقط. لاحقًا، كتب قصة نجاح مدوية مع فلامنغو البرازيلي، حيث حصد بطولة الدوري وكأس ليبرتادوريس عام 2019، وبلغ نهائي مونديال الأندية أمام ليفربول.
عقب تجربة قصيرة غير ناجحة مع بنفيكا مجددًا، درب فنربخشة التركي وحقق معه كأس تركيا في 2023.
عودة ثانية للهلال.. ووداع صاخب
عاد جيسوس للهلال في يوليو 2023، ليقود الفريق إلى موسم مذهل حصد خلاله الدوري السعودي دون خسارة، وكأس خادم الحرمين الشريفين، وكأس السوبر مرتين، إلى جانب سلسلة قياسية من 34 انتصارًا متتاليًا. كما فاز بجائزة أفضل مدرب في الموسم، ومدرب الشهر خمس مرات متتالية.
لكن الموسم التالي لم يحمل نفس التألق، إذ تعرض الفريق لعدة هزائم مؤثرة، أبرزها أمام النصر، ليُنهي الهلال تعاقده مع جيسوس في مايو 2025، ويتولى محمد الشلهوب المهمة من بعده.
المدرب الذي يُمتع لاعبيه قبل جمهوره
يُعرف جيسوس بصرامته، لكنه يملك أسلوبًا خاصًا في تحفيز اللاعبين، كما يقول عنه زميله السابق باولو خورخي:
«ربما لا يُجيد التعبير بالكلمات، لكنه يعرف كيف يصنع جوًا من الحماسة والتشويق في كل لحظة. هو مدرب يدافع عن كرة ممتعة… ويمنح اللاعبين إحساسًا بالحرية والفرح».
وفي مسيرة امتدت لأكثر من 25 عامًا، تنقل جورجي جيسوس بين 15 ناديًا عبر ثلاث قارات. رجل عاشق للتفاصيل، لا يرضى إلا بالمنافسة، مهما كانت التحديات.
تابع ايضًا…رسمياً.. ميلان يعلن ضم الكرواتي لوكا مودريتش بعقد لمدة عام واحد