في تطور أمني خطير يكشف عن هشاشة داخلية غير مسبوقة، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية أن نحو ألف مواطن إسرائيلي، معظمهم من اليهود ومن قلب التيار المجتمعي، وافقوا خلال العامين الأخيرين على التعاون مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية، بدافع الطمع المالي، في ظاهرة آخذة في التوسع بشكل يثير قلق جهاز الأمن الداخلي «الشاباك».
تصاعد القضايا وتراجع الردع
بحسب معطيات «الشاباك» ووزارة القضاء الإسرائيلية، تم خلال العام الماضي وحده كشف أكثر من 25 قضية تورط فيها إسرائيليون بالتجسس لصالح إيران، مع تقديم أكثر من 35 لائحة اتهام خطيرة. منذ 7 أكتوبر 2023، تضاعفت هذه الحالات لتشمل نحو 1000 شخص تواصلت معهم جهات إيرانية، غالبًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لتجنيدهم عبر إغراءات مالية.
ورغم نجاح «الشاباك» في إحباط العديد من هذه المحاولات واعتقال بعض المتورطين، فإن الجهاز فشل – بحسب اعتراف الصحيفة – في ردع مواطنين آخرين عن الانخراط في هذا النشاط. وقد أُدين حتى الآن شخص واحد فقط، وهو رجل الأعمال السابق موتي ممان (72 عامًا) من عسقلان، الذي حُكم عليه بالسجن 10 سنوات، فيما ينتظر آخرون المحاكمة.
من الهامش إلى التيار العام
الخبير الاستراتيجي في شؤون المخابرات، يوسي ميلمان، أشار إلى أن التقديرات الأولية لدى الأجهزة الأمنية كانت ترجح أن المتعاونين يأتون من هامش المجتمع، لكن الفترة الأخيرة شهدت انجذاب مواطنين «اعتياديين»، بمن في ذلك جنود نظاميون واحتياط، إلى شبكات التجسس الإيرانية، حتى في أثناء الحرب.
اقرأ أيضًا:
أحداث السويداء تضع دمشق تحت ضغط.. رسائل أميركية حادة وتحذيرات من تكرار الفوضى
ويرى ميلمان أن الدافع المالي – بخلاف الدوافع الأيديولوجية التي دفعت جواسيس سابقين في عقود مضت – يعكس أزمة قيم داخل المجتمع الإسرائيلي، وتفككًا في التضامن الجماهيري، ما دفع السلطات إلى إطلاق حملة توعية وطنية تحت عنوان «أموال سهلة وثمن باهظ» لردع المتورطين المحتملين.
انعكاسات أمنية ومجتمعية
الحملة الإعلامية جاءت بالتوازي مع تقديم لوائح اتهام جديدة، أبرزها ضد جندي اتُّهم بنقل معلومات حساسة حول اعتراض الصواريخ وبطاريات «القبة الحديدية» مقابل المال. وبحسب «هآرتس»، فإن الشعور المتنامي بانعدام الثقة في الدولة ومؤسساتها، وغياب الردع الفعّال، يشكلان بيئة خصبة لتفاقم هذه الظاهرة التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي وتكشف عن تصدعات خطيرة في بنيته الاجتماعية.

تكشف هذه التطورات عن معضلة مزدوجة أمام إسرائيل: مواجهة تهديد أمني خارجي متزايد تقوده طهران، وفي الوقت نفسه معالجة أزمة داخلية عميقة تتمثل في تراجع القيم المجتمعية والولاء للدولة أمام إغراء المال. وبينما يسعى «الشاباك» إلى كبح هذه الظاهرة، يبقى السؤال: هل تنجح الحملات الإعلامية في ترميم الثقة والردع، أم أن إسرائيل على أعتاب مرحلة جديدة من التهديدات الداخلية التي قد تفوق في خطورتها التهديدات الخارجية؟