يشهد العراق منذ فترة هدوءًا نسبيًا على الصعيد الأمني مقارنة بما عاشه في العقدين الماضيين، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الأخيرة حول حصر السلاح بيد الدولة فجّرت جدلاً واسعًا، وأعادت إلى الواجهة ملف الحشد الشعبي وسط انقسام سياسي حاد وضغوط إقليمية ودولية متزايدة.
من منبر عشائري، أكد السوداني أن “لا مبرر لوجود أي سلاح خارج المؤسسات الحكومية”، رابطًا بين استقرار الداخل وانفتاح العراق على محيطه الدولي، ومعلنًا التزام حكومته بإنهاء وجود التحالف الدولي لمحاربة داعش بعد انتفاء الحاجة إليه.

انقسام برلماني حول قانون تنظيم الحشد الشعبي
تزامنت تصريحات السوداني مع احتدام النقاش داخل البرلمان بشأن مشروع قانون تنظيم الحشد الشعبي، الذي استكمل قراءته الثانية في يوليو الماضي. ويثير المشروع اعتراضات من كتل سياسية سنية وكردية ترى أنه يمنح بعض الفصائل المسلحة استقلالية أكبر، بما قد يخلق ازدواجية في القرار الأمني.
تتابع الولايات المتحدة هذا الملف عن كثب، وسط تحفظات غير معلنة خشية أن يؤدي القانون إلى تعزيز نفوذ فصائل مقربة من إيران تعمل خارج نطاق التنسيق مع التحالف الدولي.
قلق إيراني وتحذيرات مبكرة
في تطور لافت، كشف علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، عن اتصال هاتفي مع نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، ناقشا فيه “المخاوف من انتقال حملة نزع السلاح من حزب الله في لبنان إلى الحشد الشعبي في العراق”. المالكي أكد رفض أي تحرك يستهدف سلاح الحشد، معتبرًا أن واشنطن وتل أبيب تسعيان لتقويض هذه القوة.
إقالات غير مسبوقة في صفوف الحشد الشعبي
وفي خطوة عملية لترجمة خطاب “حصرية السلاح بيد الدولة”، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة إقالة قائدي اللواءين 45 و46 في الحشد الشعبي، وإحالة متورطين في أحداث دائرة الزراعة في الكرخ إلى القضاء، بعد قيام كتائب حزب الله بتحرك مسلح دون موافقات رسمية.
هذه القرارات، التي استهدفت فصائل محسوبة على الحرس الثوري الإيراني، فسّرها مراقبون بأنها رسالة واضحة من السوداني بأنه مستعد لاتخاذ إجراءات حاسمة حتى مع قوى نافذة.
الحشد الشعبي: بين الشرعية المؤسسية والولاءات الخارجية
تأسس الحشد الشعبي عام 2014 بفتوى المرجع علي السيستاني لصد خطر تنظيم داعش، ويضم حاليًا نحو 238 ألف عنصر موزعين على 68 فصيلاً، أبرزها منظمة بدر، عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله. ورغم دمجه رسميًا ضمن القوات المسلحة عام 2016، تشير تقارير دولية إلى استمرار تلقي بعض فصائله دعمًا مباشرًا من إيران، ما يثير جدلاً حول ولاءاته.
اقرأ أيضًا:
تقرير: استغلال حزب الله لمؤسسات الدولة اللبنانية يعزز نفوذه وسط فساد متجذر
الفارق مع التجربة اللبنانية
مستشار رئيس الوزراء حسن العلوي أوضح أن موقف السوداني ثابت منذ توليه المنصب، وأن تطبيقه يتم بخطوات مدروسة لتجنب مواجهة داخلية مفتوحة. وميّز العلوي بين الوضع في العراق ولبنان، معتبرًا أن العراق بعد هزيمة داعش بات أكثر استقرارًا، وأن البيئة السياسية والاجتماعية تسمح بإصلاحات أعمق، مدعومة بإجماع وطني ودعم المرجعية الدينية.

توازن دقيق بين واشنطن وطهران
يحاول السوداني الموازنة بين ضغوط واشنطن المطالبة بضبط نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ورغبة طهران في الحفاظ على الحشد كجزء من “محور المقاومة”. ومع اقتراب الانتخابات العراقية المقبلة، يتحول ملف السلاح إلى ورقة انتخابية، حيث يراهن السوداني على تعزيز رصيده الشعبي، فيما تعتبر بعض الفصائل قوتها الميدانية أداة تفاوض سياسي.
اختبار حاسم لمستقبل العراق
تدل التطورات الأخيرة على أن العراق يقف أمام مرحلة جديدة في إدارة ملف السلاح، حيث تتداخل الاعتبارات الأمنية بالتحالفات السياسية، وسط تساؤلات حول قدرة الحكومة على فرض سيادة الدولة، وجعل الحشد الشعبي ذراعًا رسميًا للدولة، بعيدًا عن الولاءات الخارجية.