مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تنظر الصين إلى هذا الصراع على أنه أكثر من مجرد نزاع إقليمي، بل فرصة استراتيجية نادرة لاختبار قدراتها العسكرية والصناعية، واستخلاص الدروس لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة.
وبحسب تحليل نشره موقع ناشيونال إنترست، فإن بكين ترى في هذه الحرب مختبرًا حيًا للحروب المستقبلية، حيث تُدار المعارك بأسلحة وتكتيكات متطورة سيكون لها الدور الأبرز في أي صراع عالمي قادم.

دعم عسكري واقتصادي يرسخ دور الصين في الحرب
بصفتها الداعم الاقتصادي والصناعي الأكبر لروسيا، تحتل الصين موقعًا استثنائيًا يتيح لها تقييم أداء الأنظمة العسكرية التي توفرها لموسكو بكميات ضخمة. كما تجمع بكين معلومات استخباراتية حول فعالية الأسلحة الأوكرانية والغربية، وتطور استراتيجيات لتحديث قواتها المسلحة وهياكلها التنظيمية، بما يخدم هدف تجهيز جيش التحرير الشعبي الصيني لمواجهة محتملة مع الجيش الأمريكي.
الموقع الأمريكي أكد أن دور بكين تجاوز الدعم الاقتصادي، ليصبح بمثابة العمود الفقري اللوجستي للمجمع الصناعي العسكري الروسي، ما يمنحها خبرة عملية في دعم شريك خلال حرب طويلة الأمد، وفهم متطلبات الإمداد المستمر للقوات في الميدان.
أرقام تكشف حجم الدعم الصيني لروسيا
نحو 90% من واردات روسيا من المكونات الإلكترونية الدقيقة الضرورية للصواريخ والدبابات والطائرات جاءت من الصين منذ 2023.
70% من واردات روسيا من أدوات الماكينات في الربع الأخير من 2023 كانت صينية، بقيمة قاربت 900 مليون دولار، لتعويض المعدات الألمانية واليابانية التي توقفت عن التوريد.
الصين أصبحت المورد الرئيسي لمادة النيتروسليلوز المستخدمة في تصنيع قذائف المدفعية، حيث صدّرت أكثر من 1300 طن لروسيا في 2023، وهو ما يكفي لإنتاج مئات الآلاف من القذائف.
تشير التقديرات إلى أن 80% من المكونات الإلكترونية في المسيرات الروسية مصدرها الصين، ما جعل بكين شريكًا خفيًا في الحملة الجوية الروسية، وساعد موسكو على التخطيط لإنتاج مليوني مسيرة هجومية بحلول 2025.
فرصة لا تقدر بثمن للجيش الصيني
بالنسبة لجيش التحرير الشعبي الصيني، الذي لم يخض حربًا كبرى منذ أكثر من 40 عامًا، تمثل حرب أوكرانيا مصدرًا لا مثيل له للمعلومات حول الحرب الحديثة، بدءًا من استخدام المسيرات وأنظمة الحرب الإلكترونية، وصولًا إلى تقييم أداء أنظمة غربية متطورة مثل الدفاع الجوي “باتريوت” والمدفعية الصاروخية “هيمارس”.
كما تتابع بكين ابتكارات أوكرانية مثل “شبكة العنكبوت”، وهي استراتيجية هجومية تعتمد على أسراب من المسيرات منخفضة الكلفة لتدمير أصول استراتيجية بمليارات الدولارات، إضافة إلى دراسة التكتيكات البحرية غير المتكافئة التي قد تستخدمها تايوان في حال نشوب صراع معها.
تكامل صناعي واستخباراتي
التكامل بين بكين وموسكو في هذه الحرب لم يقتصر على الدعم الصناعي، بل امتد إلى جمع بيانات ميدانية متقدمة. وتشير تقارير إلى أن مجموعات قرصنة مدعومة من الدولة الصينية اخترقت مؤسسات دفاعية روسية للحصول على معلومات لم ترغب موسكو بمشاركتها رسميًا، ما يعزز قدرة بكين على تحسين أنظمتها العسكرية وفق تجارب واقعية.
قيود على أوكرانيا ودعم مفتوح لروسيا
في مايو 2025، صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن طائرات “مافيك” الصينية متاحة للقوات الروسية، لكنها غير متوفرة للأوكرانيين، مشيرًا إلى أن بكين لم توقف فقط بيع هذه الطائرات لكييف، بل قيدت تصدير المكونات الأساسية إليها، في حين ضاعفت من شحناتها لروسيا.
اقرأ أيضًا:
تقدم روسي سريع في دونيتسك يهدد بلدات استراتيجية قبيل قمة بوتين – ترامب
التحدي الاستراتيجي لواشنطن
يرى موقع ناشيونال إنترست أن التحدي الأكبر أمام الولايات المتحدة لا يكمن فقط في احتواء روسيا، بل في مواجهة “دورة التعلم” التي تخوضها بكين من خلال هذه الحرب. فبينما تنفق واشنطن مواردها ضد خصم ثانوي، يكتسب خصمها الرئيسي خبرة قتالية وتقنية، ويتعلم كيفية مواجهة أنظمتها المتطورة في بيئة حرب إلكترونية معقدة، مع الحفاظ على وتيرة القتال دون المخاطرة بجنوده.
وأشار التحليل إلى أن النظام الصيني الموجه من الدولة يتميز بالقدرة على تسريع تطبيق الدروس المستفادة على مستوى المجمع الصناعي العسكري، في حين يعاني النظام الأمريكي من بطء في عمليات الشراء والتطوير رغم إمكانيات الابتكار في القطاع الخاص.
التعامل مع هذا التحدي يتطلب من واشنطن إعادة صياغة استراتيجيتها، والنظر إلى حرب أوكرانيا ليس فقط كأزمة أوروبية، بل كساحة اختبار لحرب المستقبل، حيث المنافس الحقيقي للولايات المتحدة — أي الصين — يتعلم ويبتكر دون أن يطلق رصاصة واحدة بشكل مباشر.