في منعطف جغرافي يكاد أن يكون مجازيًا، تستعد ولاية ألاسكا النائية، التي كانت يومًا ما أرضًا روسية، لاستضافة قمة مرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اختيار هذا الموقع لم يكن مجرد صدفة جغرافية، بل خطوة مدروسة تحمل رمزية كبيرة – وربما رسالة أعمق، كما يقول المراقبون في موسكو وواشنطن على حد سواء.
قبل أكثر من 150 عامًا، باعت روسيا القيصرية ألاسكا للولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار فقط، خشية أن تخسرها لصالح بريطانيا دون مقابل. ومنذ ذلك الحين، ظلت هذه الأرض ذات الكنائس الأرثوذكسية والأسماء الروسية مثل “نيكولايفسك” و”فوزنيسينسك”، شاهدًا صامتًا على تقلبات العلاقات بين البلدين. والآن، يبدو أنها تعود للعب دور رمزي في إعادة رسم مسار العلاقة بين القوتين العظميين.

يوري أوشاكوف، مساعد بوتين للشؤون الخارجية، وصف في رسالة صوتية عبر “تيليجرام” الأسبوع الماضي، القمة بأنها امتداد طبيعي للجوار الجغرافي: “روسيا والولايات المتحدة جارتان، تفصل بينهما فقط مياه مضيق بيرينج… يبدو منطقيًا أن يلتقي الزعيمان هنا، في أرض تُذكر الجميع بقرب المسافات، لا بعد المصالح.”
قمة ألاسكا على الجليد الساخن
الرؤية نفسها تبناها عدد من النخب الروسية، من بينهم السناتور فلاديمير دزاباروف الذي قال: “الاسكا بعيدة عن أوكرانيا، وبعيدة عن أوروبا التي أصبحت معادية لنا. اختيارها حكيم للغاية.” أما الإعلام الروسي، فاحتفى باللقاء باعتباره “عودة إلى منطق الحوار المباشر”، كما كتب ألكسندر بوبروف في افتتاحية على قناة “آر تي”، مشيرًا إلى أن ألاسكا لم تعد فقط فصلًا في كتب التاريخ، بل قد تكون بوابة لعلاقة جديدة بين موسكو وواشنطن.

ترامب وبوتين يلتقيان في أرض الصفقة القديمة
بينما تُكتب فصول هذا اللقاء المنتظر في أقصى الغرب، تُراقب كييف ما يجري بحذرٍ بالغ. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صرّح بأن بوتين يسعى – عبر القمة – للحصول على ما تبقى من منطقة دونيتسك التي لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا. وقال إن مسؤولين أمريكيين أبلغوه بالطلب الروسي قبل القمة، والتي من المتوقع أن تُعقد يوم الجمعة القادم، مؤكدًا: “انسحابنا من دونيتسك غير دستوري… وسيكون مجرد تمهيد لغزو جديد.”

أوكرانيا، بحسب المراقبين، لا تزال في الظل، وربما خارج قاعة الحوار من الأساس، إذ لم يُعرف بعد ما إذا كانت ستشارك في القمة. أما أوروبا، فقد وجدت نفسها هي الأخرى متجاهلة، حيث ناشدت بعض دول الاتحاد الأوروبي إدارة ترامب بعدم التفريط بمصالح الحلفاء الأوروبيين، الذين يشعرون بالقلق من أي صفقة محتملة تُعقد دون علمهم أو موافقتهم.
اقرأ أيضا.. ألمانيا في عين العاصفة.. هل اقتربت نهاية “الماكينة الاقتصادية”؟!
القمة إذًا، تحمل في طياتها أكثر من لقاء ثنائي. إنها اختبار لخرائط القوة، لإرث التاريخ، ولطموحات الحاضر التي تتقاطع عند حدود الجليد والمصالح… في ألاسكا، الأرض التي كانت روسية، وصارت أميركية، وقد تصبح مساحة مشتركة لرسم ملامح مرحلة جديدة.