يعكس المشهد السياسي في الولايات المتحدة اليوم حالة من التحول العميق، ليس فقط في مزاج الناخبين، بل في طبيعة العلاقة بين الأحزاب الكبرى وقواعدها الشعبية. ففي وقت تتصاعد فيه الانقسامات السياسية والاجتماعية، يجد الحزب الديمقراطي نفسه أمام تحديات غير مسبوقة، لا تتعلق فقط بالمنافسة مع خصمه الجمهوري، بل بما هو أعمق: أزمة هوية ورسالة وثقة.

الديمقراطيون في أزمة هوية
وعلى الرغم من المواقف التقدمية التي يتبناها، والدور المحوري الذي لعبه في معارك الحريات والعدالة الاجتماعية، تظهر مؤشرات متزايدة على أن الحزب يفقد تماسكه، ويخسر تدريجياً ثقة قطاعات واسعة من الناخبين الذين شكّلوا حجر الأساس لانتصاراته في العقود الماضية.
التراجع في معدلات تسجيل الناخبين لصالح الديمقراطيين لا يمكن قراءته كظاهرة انتخابية مؤقتة، بل كمؤشر على اختلال أوسع في البنية الخطابية والتنظيمية للحزب، وفشله في مواكبة التحولات المتسارعة في أولويات الناخب الأميركي.

هذا التقرير يرصد أبرز ملامح هذا التحول، ويستعرض كيف ولماذا بدأ الديمقراطيون يفقدون الأرض أمام الجمهوريين، رغم كل الظروف التي كان يُفترض أن تمنحهم أفضلية سياسية في هذه المرحلة.
البداية حينما شهد الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة حالة من القلق العميق إثر بيانات جديدة كشفت عن تراجع واضح في تسجيل الناخبين لصالح الحزب الجمهوري، مما يعكس تحولاً استراتيجياً مثيراً للقلق في الخريطة السياسية الأميركية. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن الجمهوريين قد حققوا مكاسب صافية في تسجيل الناخبين في جميع الولايات الثلاثين التي تُسجل الانتماء الحزبي للناخبين، منذ انتخابات 2020 وحتى 2024، حيث أضافوا نحو 4.5 مليون ناخب مقارنة بالديمقراطيين.
عندما فقدت الأحزاب الأمريكية رسالتها
ويرى مراقبون أن هذا التراجع يعكس أزمة عميقة يعاني منها الحزب الديمقراطي تتعلق بفقدان الصلة بالناخبين، خاصة من الفئات العمرية والعرقية المتنوعة التي كانت تشكل تقليديًا قاعدته الصلبة. وقال إيدي فال، الاستراتيجي في الحزب، إن هذا التوجه يشير إلى “مشكلة حقيقية”، محذرًا من أن قطاعات واسعة من الناخبين بدأت تشعر بأن الحزب لم يعد يمثلها أو يلبي تطلعاتها.

يأتي ذلك في وقت يعيش فيه الحزب ارتباكًا سياسيًا كبيرًا بعد فقدانه للبيت الأبيض وللسيطرة على مجلسي الكونغرس، بينما يفتقر إلى رؤية موحدة أو خطاب جذاب يعيد تعبئة قاعدته.
في ظل هذا التراجع، تتزايد الدعوات داخل الحزب الديمقراطي إلى مراجعة عميقة للرسالة السياسية التي يطرحها، وطريقة تواصله مع الناخبين، خاصة أولئك في الولايات المتأرجحة والريفية. فبينما يواصل الجمهوريون تعزيز حضورهم من خلال شعارات واضحة مثل “أميركا أولاً” و”لنجعل أميركا عظيمة من جديد”، يفتقر الديمقراطيون إلى شعار جامع يعكس رؤية متكاملة للمستقبل.
يرى مراقبون أن جزءًا من الأزمة يكمن في الانقسام الداخلي بين التيار التقدمي والجناح الوسطي داخل الحزب، مما يخلق صورة ضبابية للناخبين. وقد أشار بعض المحللين إلى أن النجاح المستقبلي للديمقراطيين لن يعتمد فقط على ضعف خصمهم الجمهوري، بل على قدرتهم في إعادة بناء الثقة، خاصة بين الشباب والأقليات والطبقة العاملة.
وفي هذا السياق، يحذر خبراء من أن الاعتماد على الهجوم المستمر على ترامب وحده لن يكون كافيًا لحشد الأصوات. بل لا بد من تقديم مشروع سياسي متماسك يعالج قضايا حيوية مثل الاقتصاد، الرعاية الصحية، الهجرة، وأمن المجتمع. فغياب هذا المشروع قد يفتح الباب أمام خسارات انتخابية متكررة في السنوات القادمة، وربما يعمق من تراجع الحزب في الخارطة السياسية الوطنية.