بينما يتصاعد الضغط الدولي وتزداد التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المراوغة في اتخاذ قرار حاسم بشأن وقف إطلاق النار، أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون أوضاعًا مأساوية منذ بدء العدوان على القطاع، لكن القرار لا يزال عالقًا في حسابات سياسية وشخصية معقدة تتجاوز الاعتبارات العسكرية المعلنة.

التهدئة تهدد سُلطة نتنياهو
ففي الوقت الذي تطالب فيه قوى عالمية بوقف فوري للحرب، تتكشّف تدريجيًا الأسباب الحقيقية خلف مماطلة نتنياهو. تحليلات إسرائيلية وأمريكية متقاطعة تشير إلى أن ما يعيق الحسم ليس فقط المخاوف الأمنية أو الطموحات العسكرية، بل الخوف من اليوم التالي: لحظة ما بعد التهدئة.
الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي بن كاسبيت، كتب في صحيفة معاريف أن نتنياهو يدرك أن إنهاء الحرب قد يعني بداية النهاية لحياته السياسية، وربما بداية رحلة نحو السجن، في ظل قضايا الفساد التي تلاحقه منذ سنوات. يقول كاسبيت: “هو يعلم جيدًا أن التهدئة قد تفتح الباب أمام مساءلة قاسية حول ما جرى في 7 أكتوبر، وهو ليس مستعدًا لتلك اللحظة”.
ويبدو أن حسابات نتنياهو لا تتوقف عند حدود المحكمة أو صناديق الاقتراع، بل تشمل الحفاظ على توازن دقيق داخل تحالفه اليميني المتشدد.

نتنياهو يراهن على استمرار حرب غزة
آفي يسسخروف، الخبير في الشؤون الأمنية، يؤكد أن أي انزلاق نحو التهدئة قد يفجّر هذا التحالف الهش، ويُسقط الحكومة، وبالتالي يطيح بالحصانة السياسية التي تحمي نتنياهو من المساءلة.
“كل يوم تستمر فيه الحرب يمنحه يومًا إضافيًا في السلطة”، بهذه الكلمات يلخص يسسخروف معادلة البقاء التي تحكم قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي.

نتنياهو ودوائر القرار في واشنطن
على الصعيد الدولي، بدأت دوائر القرار في واشنطن تلاحظ هذا التردد. دانيال كيرتزر، السفير الأمريكي الأسبق لدى إسرائيل، أكد أن مماطلة نتنياهو لم تعد تُقرأ في سياق أمني فقط، بل باتت ترتبط بحسابات البقاء السياسي. ويضيف: “هو يعلم أن التهدئة ستفتح أبواب التحقيقات، وتُعرّيه أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي”.
أما الباحث الأمريكي آرون ديفيد ميلر، فكان أكثر حدة في توصيفه، واعتبر سلوك نتنياهو “هروبًا إلى الأمام”، مشيرًا إلى أن أي وقف للحرب سيعيد فتح ملفات الإخفاقات الأمنية والسياسية التي هزت إسرائيل، وسيضع نتنياهو في موقع المتهم بدلًا من القائد.
وبين حرب تتواصل في غزة، وضغوط تتزايد في الداخل والخارج، يبدو أن نتنياهو لا يخوض فقط معركة ضد المقاومة الفلسطينية، بل معركته الكبرى هي معركة البقاء في الحكم… وربما النجاة من السجن.