وجوه صغيرة في قلب العاصفة.. عالم يُفترض أن تكون فيه الطفولة زمنًا للبراءة، ومقاعد الدراسة، وألعاب الحي، يجد ملايين الأطفال حول العالم أنفسهم في قلب الجحيم. لا يعرفون معنى “هدنة”، ولا يفهمون لماذا تتساقط القنابل فوق رؤوسهم، لكنهم يواجهون كل يوم الموت، والتشريد، والجوع، كأنهم خُلقوا فقط ليتألموا.
وجوه صغيرة في قلب العاصفة
من غزة المحاصرة، إلى الفاشر الجائعة، ومن اليمن المنهك، إلى أفغانستان الممزقة، يتكرر المشهد ذاته: أطفال تُنتزع منهم الطفولة قسرًا، وتُحوّل حياتهم إلى سباق يومي للبقاء، بلا طعام، بلا دواء، بلا مأوى.. وبلا أمل.
- اطفال غزة في مواجهة النيران
هذا ما كشف عنه تقرير صادم صادر عن مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاعات المسلحة، قُدّم مؤخرًا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وثّق التقرير ارتفاعًا مرعبًا في الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال في بؤر الصراع المختلفة، بنسبة بلغت 25% خلال عام 2024 وحده، مقارنة بالعام السابق.
الطفولة الممزقة.. الجوع والرصاص عنوانها
يشير التقرير الأممي إلى أن الأطفال باتوا في الصفوف الأمامية للحرب: تُقصف مدارسهم، تُغلق أبواب المستشفيات في وجوههم، وتُمنع عنهم المساعدات الإنسانية التي يفترض أنها تُرسَل إليهم أولًا. تُضاف إلى ذلك مشاهد لا تقل قسوة: تجنيد قسري، اعتقال، اغتصاب، وعنف ممنهج.
وفي غزة المحاصرة، تقول الأرقام إن المأساة تخطّت حدود المعقول، حيث يتعرض الأطفال هناك لأعلى معدلات الانتهاك، وسط حصار يمنع الغذاء والدواء، وتدمير متعمد للبنى التحتية. أما في السودان، فقد تحوّلت مدن مثل “الفاشر” إلى مساحات مخصصة للجوع والموت، بحسب ما صرّحت به كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، والتي وصفت الوضع بقولها: “نشهد مأساة مدمّرة في السودان، حيث أطفال الفاشر يتضورون جوعًا، بينما تُمنع خدماتنا المنقذة للحياة من الوصول إليهم”.
- أطفال غزة
وأضافت “منع المساعدات ليس مجرد انتهاك إداري أو خطأ في التقدير، بل هو جريمة تُرتكب ضد الإنسانية، وضد أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في قلب الخراب”.
أطفال بلا مدارس
أحد أخطر ما كشفه التقرير الأممي هو الارتفاع الحاد في الهجمات على المدارس والمستشفيات، والتي بلغت 2374 هجومًا في عام واحد فقط، بنسبة زيادة قدرها 44% عن العام السابق، ما أدى إلى زيادة فادحة في هشاشة أوضاع الأطفال وحرمانهم من حقهم الأساسي في التعليم والرعاية الصحية.
وتُعد أوكرانيا، الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهايتي من أكثر المناطق التي سجلت هذه الهجمات، في انتهاك سافر لكل ما نصّت عليه المواثيق الدولية من حماية للمرافق المدنية وحقوق الطفل.
نداء عاجل للعالم: حان وقت إنقاذ الأطفال
في ختام تقريره، وجّه مكتب الممثل الخاص للأمم المتحدة دعوة عاجلة للمجتمع الدولي لتجديد التزامه بحماية الأطفال المتأثرين بالنزاعات، مطالبًا بتعزيز الموارد المخصصة لحمايتهم، وتوفير الحماية الفعلية لهم، لا الاكتفاء بالشعارات.
وحذّر المكتب من أن تجاهل معاناة الأطفال اليوم، لا يعني فقط خسارة جيل كامل، بل يُقوّض فرص السلام في المستقبل، ويُغذّي دائرة العنف المستمرة، لأن الأطفال الذين يُجَوّعون اليوم، سيحملون في الغد جراحًا لا تندمل.
من جهتها، قالت الدكتورة نجاة معلا مجيد، القائمة بأعمال الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة “الأطفال يُجَوّعون، يُشردون، ويُقتلون. هذا هو الواقع، وهذا ما لا يجب أن يستمر. السلام ليس خيارًا.. بل ضرورة ملحّة لحمايتهم”.
وفي زمن تتراجع فيه الضمائر أمام المصالح، وتضعف فيه الإرادة الدولية أمام مشاهد المذابح، تبقى حماية الأطفال اختبارًا حقيقيًا لإنسانيتنا، ومرآة لما تبقى من عدالة على هذه الأرض.