في ظل التصعيد التجاري المستمر، تواجه اقتصادات آسيا المُعتمدة على التصدير تحديات متزايدة ناتجة عن الرسوم الجمركية الأمريكية، في وقت تُظهر فيه البيانات الاقتصادية مؤشرات متباينة بشأن تعافي قطاع التصنيع الإقليمي. وعلى الرغم من بعض الإشارات الإيجابية الصادرة من الصين، فإن الصورة العامة توحي بضغط هيكلي متواصل على سلاسل التوريد والصادرات، مما يُضعف ثقة الشركات ويزيد الحاجة إلى تدخلات سياسية داعمة.
الرسوم الأمريكية تُصيب مصانع آسيا بالشلل الجزئي
ويوضح تقرير حديث لصحيفة “ستريت تايمز” الآسيوية، نقلاً عن استطلاعات لقطاعات الصناعة، أن الرسوم الجمركية المفروضة من قبل الولايات المتحدة بدأت تُلحق ضررًا واسع النطاق بالمصانع الآسيوية، متجاوزة التوقعات السابقة ومُلقيًة بظلالها على المؤشرات الإيجابية التي سُجلت مؤخرًا في الصين. وبالرغم من المكاسب التي حققتها الشركات الآسيوية في الفترة الماضية من خلال تسريع وتيرة التصدير لتفادي تعريفة واشنطن، فإن هذه الاستراتيجية لم تعد كافية للحفاظ على النمو.
وتوضح الاستطلاعات أن قوى التصدير الثلاث الكبرى في المنطقة – اليابان، كوريا الجنوبية، وتايوان – شهدت جميعها انكماشًا في أنشطة التصنيع خلال شهر أغسطس، مما يشير إلى عمق التأثيرات السلبية للسياسات التجارية الأمريكية على المدى القصير.

في هذا السياق، يقول تورّو نيشيهاما، كبير خبراء الأسواق الناشئة في “معهد داي-إيتشي لايف”، إن آسيا تتعرض لما وصفه بـ”ضربة مزدوجة” تتمثل في ارتفاع الرسوم الأمريكية من جهة، وتزايد المنافسة الصينية من جهة أخرى. ويضيف: “دول مثل كوريا الجنوبية وتايلاند، والتي تعتمد بشكل رئيسي على السوق الأمريكي، ستتأثر بشكل خاص في حال استمرار هذا التوجه التصعيدي”.
وعلى الجانب الآخر، أظهر مؤشر مديري المشتريات الصناعي في الصين (الصادر عن مؤسسة S&P Global) تحسنًا طفيفًا، حيث ارتفع إلى 50.5 نقطة في أغسطس مقارنة بـ49.5 نقطة في يوليو، متجاوزًا عتبة النمو (50 نقطة). لكن هذا التحسن جاء في تناقض مع بيانات رسمية أخرى أظهرت انكماش القطاع الصناعي للشهر الخامس على التوالي، ما يعكس التباين في قراءات السوق حول تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

الصين تسبح عكس التيار
ويرى المحلل الاقتصادي ياو يو أن هذا “التحسن الصيني” لا يعكس بالضرورة استقرارًا طويل الأمد، موضحًا أن الطلب المحلي لا يزال ضعيفًا، وأن الاعتماد على الصادرات قد يكون مفرطًا. ويضيف: “دون تحسن فعلي في الطلب الداخلي، فإن نمو قطاع التصنيع الصيني قد يظل هشًا”.
أما في اليابان، فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي إلى 49.7 نقطة في أغسطس، لكنه بقي دون مستوى النمو، ما يعكس استمرار الضعف. كما تراجعت الطلبات الجديدة من الخارج بأسرع وتيرة منذ مارس 2024، نتيجة تراجع الطلب من الأسواق الرئيسية مثل الصين، الولايات المتحدة، وأوروبا.

في كوريا الجنوبية، تواصل المؤشر في المنطقة السالبة للشهر السابع على التوالي، مسجلاً 48.3 نقطة في أغسطس. وتبدو التفاهمات التجارية التي تم توقيعها مؤخرًا مع واشنطن غير كافية حتى الآن لتخفيف العبء، رغم تخفيض بعض الرسوم على السيارات والسلع الكورية واليابانية.
أما تايوان، فقد واصلت تسجيل مؤشرات ضعف في قطاع التصنيع، بينما سجلت الفلبين وإندونيسيا تحسنًا نسبيًا في أنشطة مصانعها، مدفوعة بزيادة الطلب المحلي واتساع القاعدة الصناعية.
ويحذر شيفان تاندون، المحلل الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، من أن استمرار الرسوم الجمركية المرتفعة سيقود على الأرجح إلى تباطؤ أوسع في الاقتصاد العالمي، مضيفًا أن الاقتصادات الآسيوية الموجهة للتصدير قد تكون الأكثر عرضة للخطر.
في المجمل، تكشف هذه التطورات أن الاضطرابات الجيو-اقتصادية والتجارية الراهنة بدأت تُنتج آثارًا متسلسلة على اقتصادات آسيا، في وقت لم تُظهر فيه أدوات السياسات المحلية حتى الآن قدرة كافية على امتصاص الصدمات أو خلق بدائل فاعلة لسوق الصادرات الأمريكية.