يشهد الصراع بين إسرائيل وجماعة الحوثي في اليمن منعطفًا جديدًا، مع تزايد الهجمات المتبادلة بوتيرة غير مسبوقة. فبعد سلسلة اغتيالات إسرائيلية استهدفت قيادات بارزة في صفوف الحوثيين، ردت الجماعة بإطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ على أهداف إسرائيلية، شملت مطار رامون في إيلات، ومواقع عسكرية في النقب، ومطارات عسقلان واللد، ومناطق حيوية في أسدود ويافا.
وأكدت الجماعة أن العملية حققت أهدافها، مشيرة إلى فشل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية في التصدي لبعض المسيرات، معتبرة أن الهجمات جاءت ردًا على “جرائم إسرائيل في غزة”.
تهديد الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب
يرى مراقبون أن هذا التصعيد ينعكس مباشرة على الأمن الإقليمي، خاصة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث قد يؤدي إلى تهديد حركة الملاحة البحرية ورفع تكلفة الشحن والتأمين البحري. وتأتي هذه المخاطر في وقت حساس يشهد فيه الإقليم تنافسًا استراتيجيًا على طرق التجارة العالمية.
تغيير في الاستراتيجية الإسرائيلية
لم يعد التركيز الإسرائيلي مقتصرًا على استهداف البنية التحتية مثل الموانئ ومحطات الطاقة في اليمن، بل تحول إلى اغتيال القيادات الحوثية، باعتباره مسارًا أكثر إيلامًا للجماعة. فقد شملت الضربات الأخيرة استهداف مطار صنعاء وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، بجانب اغتيال رئيس حكومة الحوثيين أحمد الرهوي وثمانية وزراء آخرين.
هذه العمليات تعكس ما تسميه تل أبيب “الرد الاستراتيجي”، الهادف إلى تقليص قدرات الحوثيين ومنعهم من تنفيذ هجمات جديدة على إسرائيل أو الملاحة في البحر الأحمر.
الحوثيون يتوعدون بالتصعيد
من جانبهم، أكد الحوثيون أنهم لن يتراجعوا عن دعم غزة، متوعدين بمزيد من العمليات. وأعلن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، أن الرد على اغتيال قياداتهم سيكون “مؤلمًا”، فيما تبنوا هجومًا جديدًا استهدف السفينة “سكارليت راي” في مياه البحر الأحمر، مؤكدين استمرار نهج استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل.

وأصبحت إسرائيل أمام تحديين متوازيين:
حماية جبهتها الداخلية من هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى.
منع توسع الصراع إلى أبعاد إقليمية تمس أمن البحر الأحمر وباب المندب.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن الحوثيين يمتلكون قدرات عسكرية متطورة بمديات تصل إلى الأراضي المحتلة، ما يجعلهم تهديدًا جيوستراتيجيًا ملموسًا.
وفقًا لمصادر عسكرية، تدرس إسرائيل عدة خيارات للرد، أبرزها:
استهداف القيادات الميدانية الفاعلة المرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني.
تدمير منصات إطلاق الطائرات المسيّرة وورش التخزين التي حُولت من منشآت مدنية إلى مواقع عسكرية.
ضربات استراتيجية على البنية التحتية العسكرية الإيرانية في اليمن أو بعض الدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر.
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس صرّح بأن بلاده وجهت “ضربة ساحقة غير مسبوقة” لقيادات الحوثيين، متوعدًا بأن “اليمن سيكون مصيره كمصير إيران، وما حدث مجرد بداية”.
اقرأ أيضًا:
من الطائرات لـ الإنفاق العسكري.. أرقام صادمة توضح الفجوة بين قدرات الولايات المتحدة وفنزويلا
قلق إسرائيل من القادم
رغم نجاح الضربات الإسرائيلية الأخيرة، يعيش قادة إسرائيل في حالة من القلق. فقد اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عقد جلسة الكابينت في مجمع أكثر تحصينًا تحسبًا لتهديدات الحوثيين. كما أعلن الجيش الإسرائيلي تعزيز وحداته للتصدي لأي رد انتقامي محتمل.
صحيفة جيروزاليم بوست أشارت إلى أن التحدي الحقيقي أمام إسرائيل يتمثل في قدرة الحوثيين على مفاجأة أنظمة الكشف والدفاع الجوي، رغم محدودية ترسانتهم العسكرية وعدد منصات الإطلاق.
يمثل الهجوم الحوثي على مطار رامون نقطة تحول في مسار الصراع، إذ ينذر بأن الرد الإسرائيلي المقبل سيكون أكثر قسوة وتأثيرًا. كما أن استمرار استهداف السفن في البحر الأحمر يضع المجتمع الدولي أمام خطر توسع النزاع من ساحة إقليمية إلى أزمة عالمية تهدد طرق التجارة البحرية.