في مشهد يتقاطع فيه التصعيد العسكري الإسرائيلي مع الحسابات السياسية المعقدة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الجيش يوسع عملياته على تخوم مدينة غزة وفي عمقها، مؤكّدًا أن “الانتصار على الأعداء أولوية” حتى لو أدى ذلك إلى تشويه صورة إسرائيل عالميًا.
هذا التصعيد لا ينفصل عن خطط التهجير التي لوّح بها نتنياهو سابقًا لنقل الفلسطينيين خارج القطاع، وهي خطط واجهت رفضًا عربيًا قاطعًا لما تحمله من تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية.

الوساطة الأميركية ومقترح صفقة شاملة
في ظل هذه الأجواء، كشف موقع أكسيوس الأميركي عن مبادرة جديدة أرسلها مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف إلى حركة حماس، عبر “ناشط سلام إسرائيلي”، بهدف التوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في غزة قبل شن إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق للسيطرة على المدينة.
وبحسب مسؤول إسرائيلي مطلع، يقترح العرض:
إطلاق سراح جميع الرهائن الـ48 المحتجزين لدى حماس.
وقف إطلاق النار وإنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
إفراج إسرائيل عن ما بين 2500 و3000 أسير ومعتقل فلسطيني، بينهم مئات المحكومين بالسجن المؤبد.
كما ينص المقترح على بدء مفاوضات مباشرة بعد وقف إطلاق النار حول شروط إنهاء الحرب، بما يشمل نزع سلاح حماس وانسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل من القطاع.
ترامب يدخل على خط الأزمة
اللافت في هذه المبادرة هو تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخل شخصيًا لضمان إنهاء الحرب إذا استجابت حماس للعرض، وأكد ترامب في تصريحات صحفية أن الولايات المتحدة “تجري مفاوضات مع حماس”، مشددًا على أن رسالته للحركة واضحة: “إذا أطلقتم سراح الرهائن فورًا ستحدث أمور جيدة، وإذا لم تفعلوا سيكون الأمر صعبًا ومؤلمًا عليكم”.
وكشفت مصادر أن رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي بشارة بحبح لعب دور قناة الاتصال الخلفية مع حماس، ناقلًا رسائل من ويتكوف ومن إدارة ترامب، وهو ما يعكس جدية واشنطن في الضغط من أجل وقف الحرب.

ردود عربية رافضة للتهجير
على الجانب العربي، جاء الرد حاسمًا تجاه خطط نتنياهو لتهجير الفلسطينيين، فقد شدد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على رفض أي محاولات لضم الضفة الغربية أو تهجير الفلسطينيين، مؤكدين أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
كما دعوا إلى تحرك دولي فاعل لوقف التصعيد وحماية المدنيين في غزة، مع التشديد على أن الممارسات الإسرائيلية تهدد فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
اقرأ أيضًا:
نتنياهو: سنواصل الحرب حتى القضاء على حماس وإزالة التهديد الإيراني
إسرائيل بين ضغوط الحرب ومبادرة السلام
أفادت تقارير إسرائيلية وأميركية بأن واشنطن نقلت إلى حماس مبادئ صفقة شاملة، تتضمن إطلاق جميع الرهائن والجثامين في اليوم الأول، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين ووقف العمليات العسكرية مؤقتًا.
ووفقًا للمصادر، فإن الصفقة تفترض استمرار التهدئة طالما المفاوضات جارية، بما يضع إسرائيل أمام ضغوط دولية وداخلية متزايدة لقبول وقف إطلاق النار، خاصة في حال عودة الرهائن الذين يشكلون ورقة ضغط قوية على الحكومة الإسرائيلية.

مشهد معقد وحلول مؤجلة
رغم الجهود الأميركية والعربية، يبقى المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، فمن ناحية، يسعى نتنياهو لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية قد تشمل تثبيت وجود إسرائيلي أوسع في غزة. ومن ناحية أخرى، تضغط الإدارة الأميركية بقيادة ترامب على الطرفين من أجل اتفاق شامل يوقف الحرب ويفتح مسارًا تفاوضيًا طويل الأمد.
ويبقى السؤال: هل تنجح المبادرة الأميركية والمواقف العربية الموحدة في فرض مسار دبلوماسي جديد، أم أن منطق القوة سيستمر في فرض نفسه على المشهد، لتبقى غزة ساحة مواجهة مفتوحة بلا أفق سياسي قريب؟