مع دخول آلية “سناب باك” حيّز التنفيذ بقرار من دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، عادت العقوبات الدولية على إيران لتفرض واقعاً سياسياً واقتصادياً جديداً على طهران، هذه الخطوة أعادت الصراع حول الاتفاق النووي الإيراني إلى الواجهة، ودفعت القيادة الإيرانية إلى إطلاق حملة دبلوماسية مضادة وصفت فيها الإجراءات بأنها “باطلة وغير قانونية”.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قاد تحركات دبلوماسية واسعة، داعياً الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى عدم الالتزام بهذه العقوبات، ومؤكداً أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 أسقط شرعية أي محاولة لإعادة فرضها.

حسابات معقدة بين طهران وموسكو وبكين
تعتمد إيران في استراتيجيتها على دعم كل من روسيا والصين، الحليفين الرئيسيين في مجلس الأمن، للتخفيف من آثار العقوبات. غير أن هذا الدعم – وفق مراقبين – لن يكون مطلقاً، بل محكوماً بمصالح موسكو وبكين الاقتصادية والمالية مع الغرب.
فمن الناحية النظرية، تستطيع روسيا والصين عرقلة تنفيذ العقوبات عبر رفض تطبيق القرارات أو تعطيل عمل لجان مجلس الأمن المختصة بمتابعتها. وقد أصدرت موسكو وبكين بياناً مشتركاً مطلع سبتمبر أكّدتا فيه أن القوى الأوروبية لا تملك الأساس القانوني لتفعيل “سناب باك”، وأن هذه الآلية لا تُنشئ التزامات قانونية ملزمة.
لكن على أرض الواقع، يظل الموقف أكثر تعقيداً. فروسيا والصين لم تعلنا بوضوح رفضهما الالتزام بالقرارات الستة المعاد فرضها، خشية تعريض مصالحهما الاقتصادية الواسعة مع الولايات المتحدة وأوروبا لعقوبات ثانوية. كما أن الدولتين كانتا قد صوتتا سابقاً لصالح القرارات التي تشكّل اليوم أساس العقوبات المفروضة.
سقف الدعم: سياسي ودبلوماسي لا اقتصادي
تشير تقديرات دبلوماسية إلى أن سقف الدعم الروسي والصيني لإيران سيقتصر على منح غطاء سياسي وعرقلة دبلوماسية، من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الغرب. أي أن طهران قد تحصل على دعم رمزي وتأجيل للإجراءات، لكن دون حماية اقتصادية حقيقية تخفف من وقع العقوبات على برامجها الصاروخية والنووية وتجارتها الخارجية.
هذا الموقف يضع طهران أمام تحدٍ مزدوج: فمن جهة، هي تسعى لإظهار قدرتها على الصمود أمام الضغوط الدولية أمام جمهورها الداخلي والإقليمي، ومن جهة أخرى، هي تدرك أن خياراتها العملية محدودة في ظل تردد حلفائها الرئيسيين في مواجهة الغرب بشكل مباشر.
موقف الداخل الإيراني
يرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية الإيرانية لا تستهدف فقط المجتمع الدولي، بل أيضاً الرأي العام الداخلي. إذ تسعى القيادة إلى التأكيد على أن طهران قادرة على التصدي للضغوط والحفاظ على السيادة الوطنية، رغم تصاعد عزلة البلاد بعد تفعيل “سناب باك”.
وفي هذا السياق، اعتبر السفير الإيراني السابق في لندن، جلال ساداتيان، أن الوضع الحالي يمثل “نقطة تحول خطيرة”، لأن إيران باتت تواجه المجتمع الدولي بأسره، وليس الولايات المتحدة وإسرائيل فقط. وهو ما يضاعف حجم الضغوط مقارنة بالأزمات السابقة.
اقرأ أيضًا:
تسرب وقود بغواصة روسية نووية يهدد بانفجار مدمّر.. قلق بريطاني والناتو يراقب عن كثب
رهانات إيرانية في المرحلة المقبلة
تنقسم حسابات طهران في المرحلة المقبلة إلى مسارين أساسيين:
الحفاظ على برامجها النووية والصاروخية مع إبقاء باب المساومة الدبلوماسية مفتوحاً مع واشنطن.
اختبار حدود الدعم الروسي والصيني، لمعرفة ما إذا كان بإمكان موسكو وبكين الذهاب أبعد من الدعم الرمزي نحو توفير غطاء عملي ضد العقوبات.

ومع اقتراب انتهاء صلاحية بعض بنود الاتفاق النووي في 18 أكتوبر، يزداد الشعور بالإلحاح داخل دوائر صنع القرار الإيراني، حيث تسعى طهران إلى حشد حلفائها واستباق أي سيناريوهات بديلة قد تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.
تجد طهران نفسها اليوم أمام مشهد دولي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. فرغم دعم موسكو وبكين السياسي، يبقى الرهان الإيراني على روسيا والصين محفوفاً بالمخاطر، نظراً لحساسية مصالح البلدين مع الغرب. وبذلك، من المرجح أن يقتصر الدعم على العرقلة الدبلوماسية، دون أن يصل إلى مستوى توفير حماية اقتصادية شاملة من تبعات العقوبات.
هذا الواقع يفرض على طهران البحث عن بدائل داخلية وإقليمية لتخفيف آثار العقوبات، في وقت تبدو فيه المواجهة مع المجتمع الدولي أوسع نطاقاً وأشد ضغوطاً مما واجهته في الأزمات السابقة.