تعود مجددًا إلى الواجهة قضية الروابط التجارية المثيرة للجدل لعائلة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أوكرانيا، بعد أن رفعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) السرية عن وثائق جديدة تكشف عن ضغوط مارسها بايدن حين كان نائبًا للرئيس باراك أوباما، لمنع نشر تقرير استخباراتي يُظهر قلق مسؤولين أوكرانيين من صفقات تجارية مشبوهة لعائلته.
وبحسب تقرير بثّته شبكة “فوكس نيوز” الأميركية (Fox News)، فإن مدير الوكالة الحالي جون راتكليف أمر برفع السرية عن الوثائق التي تعود إلى عام 2015، والتي تؤكد أن بايدن طلب بشكل مباشر من “سي آي إيه” عدم نشر تقرير استخباراتي حساس، وهو ما استجابت له الوكالة بالفعل في خطوة وُصفت بأنها “نادرة للغاية”.

بايدن طلب حجب تقرير استخباراتي حساس
تتضمن الوثائق، بحسب “فوكس نيوز”، بريدًا إلكترونيًا بتاريخ 10 فبراير/شباط 2016 أُرسل إلى وكالة المخابرات المركزية بعنوان: “بشأن استفسار مكتب نائب الرئيس حول المسودة”.
وجاء في نص الرسالة: “تحدثت مع نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي، وهو يفضل بشدة ألا يتم نشر التقرير.. شكرًا لتفهمكم”.
وأكدت الشبكة أن الوثيقة تشير بوضوح إلى تدخل مباشر من مكتب بايدن في العملية الاستخباراتية، وهو ما اعتبره محللون مثالًا على “تسييس الاستخبارات” في الولايات المتحدة.
ازدواجية في المعايير
وفقًا للتقرير الاستخباراتي ذاته، كان مسؤولون في الحكومة الأوكرانية قد عبّروا عن قلقهم من تضارب المصالح بين تصريحات بايدن الداعية إلى محاربة الفساد، وبين علاقات عائلته التجارية داخل أوكرانيا، وخاصة مع شركات تواجه شبهات فساد مالي.
وجاء في التقرير أن المسؤولين الأوكرانيين رأوا أن تلك الصفقات تمثل “ازدواجية في المعايير داخل الحكومة الأميركية” بشأن قضايا الفساد والسلطة السياسية، معتبرين أن “خطاب واشنطن عن الشفافية لا يتطابق مع أفعالها في أوكرانيا”.
وقال مسؤول كبير في “سي آي إيه” للشبكة: “كان التقرير يستوفي معايير النشر في ذلك الوقت، لكن بناءً على تفضيل مكتب نائب الرئيس، لم يُنشر خارج الوكالة مطلقًا”.
وأضاف أن مدير الوكالة جون راتكليف يرى في هذه الواقعة مثالًا صارخًا على تسييس العمل الاستخباراتي، مؤكدًا أن الوكالة تعمل حاليًا على وضع آليات تمنع تكرار مثل هذه الممارسات في المستقبل.
المخابرات الأمريكية: “قرار نادر وغير معتاد”
وصفت وكالة المخابرات المركزية قرار عدم نشر التقرير الاستخباراتي بأنه “نادر للغاية وغير معتاد”، مشيرة إلى أنه من غير المقبول أن يتم التواصل مع البيت الأبيض لتحديد مصير تقرير استخباراتي لأسباب سياسية.
وبحسب الوثائق، فإن مسؤولين في حكومة الرئيس الأوكراني آنذاك بيترو بوروشينكو شعروا بخيبة أمل عقب زيارة بايدن إلى كييف في ديسمبر/كانون الأول 2015، إذ توقعوا منه مناقشة ملفات الفساد والتعيينات الحكومية، لكنه اكتفى بإلقاء خطاب عام حول محاربة الفساد دون التطرق إلى التفاصيل الجوهرية.
وأضاف التقرير أن بعض المسؤولين تساءلوا لاحقًا عن “التناقض بين خطاب بايدن المناهض للفساد وعلاقات عائلته بشركات أوكرانية متهمة بالفساد”، معتبرين أن ذلك يعكس “نفاقًا سياسيًا في الموقف الأميركي”.
شركة “بوريسما” في قلب الجدل
تُعتبر شركة الطاقة الأوكرانية “بوريسما” (Burisma Holdings) محور هذا الجدل، إذ كان هانتر بايدن، نجل جو بايدن، عضوًا في مجلس إدارتها خلال تلك الفترة، ويتقاضى عشرات آلاف الدولارات شهريًا مقابل عمله الاستشاري.
وفي الوقت نفسه، كان المدعي العام الأوكراني فيكتور شوكين يجري تحقيقات في أعمال الشركة، قبل أن يضغط بايدن على كييف لإقالته في مارس/آذار 2016، مهددًا بحجب مليار دولار من المساعدات الأميركية إن لم يتم عزله.
وخلال ندوة نظمها مجلس العلاقات الخارجية الأميركي عام 2018، تفاخر بايدن علنًا بتدخله قائلاً: “قلت لهم: لن تحصلوا على المليار… إذا لم تتم إقالة المدعي العام خلال ست ساعات، فلن تحصلوا على المال”.
من أوكرانيا إلى واشنطن.. قضية لا تموت
تحولت هذه الواقعة إلى أحد أهم الملفات السياسية في واشنطن، خاصة بعدما استُخدمت لاحقًا في قضية العزل الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2019، عندما اتهم بمحاولة الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفتح تحقيق رسمي في صفقات عائلة بايدن.
وأدى ذلك إلى محاكمة ترامب أمام الكونغرس، قبل أن تتم تبرئته في فبراير/شباط 2020، لكن القضية لم تُغلق عند هذا الحد، إذ واجه بايدن لاحقًا خلال فترة رئاسته تحقيقًا في الكونغرس حول شبهات إساءة استخدام السلطة والإثراء العائلي.

وخلص تقرير لجنة مجلس النواب الجمهوريين إلى أن بايدن “انتهك واجباته الدستورية وخدع الشعب الأميركي لتحقيق مكاسب شخصية”، في حين اعتبر البيت الأبيض هذه الاتهامات “حملة سياسية بلا أدلة دامغة”.
اقرأ أيضًا:
فضيحة “الصقيع القطبي” تهز واشنطن.. تجسسFBI على مشرعين جمهوريين يعيد شبح “ووترغيت”
تسييس للاستخبارات أم فضيحة فساد؟
تكشف الوثائق الجديدة عن أبعاد خطيرة لتداخل المصالح السياسية والعائلية داخل الإدارة الأميركية السابقة، وتعيد التساؤلات القديمة حول مدى نزاهة الدور الأميركي في أوكرانيا، خاصة مع استمرار الصراع الروسي الأوكراني.
وفي ظل الجدل المتصاعد، يبدو أن ملف عائلة بايدن وعلاقاتها المالية في أوكرانيا سيبقى حاضرًا في المشهد السياسي الأميركي، وربما يشكل ورقة ضغط جديدة في الانتخابات المقبلة، في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى إعادة تعريف حدود العلاقة بين السلطة والسياسة والاستخبارات في الولايات المتحدة.