شهدت مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس “اتفاق غزة” تحولاً جذرياً خلال الأسابيع الماضية، بعد أن قاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدخلاً شخصياً وصفته مصادر دبلوماسية بأنه كان «اللمسة الحاسمة» التي دفعت الجانبين نحو توقيع اتفاق لوقف الحرب المدمّرة في قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من عامين.
ونقلت شبكة «إن بي سي نيوز» عن 12 مصدراً من الولايات المتحدة وبلدان أخرى أن ترامب لعب دوراً محورياً في اللحظات الأخيرة لإنجاز الاتفاق الذي نصّ على وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، تمهيداً لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام المكوّنة من 20 بنداً.

قصف الدوحة.. نقطة التحول التي عجّلت بنهاية الحرب
أبرز لحظة في مسار المفاوضات كانت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة من حماس في العاصمة القطرية الدوحة، العملية أثارت غضباً واسعاً في البيت الأبيض، إذ تُعد قطر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة، لكن الرئيس ترامب استثمر هذا الغضب لتحويله إلى أداة ضغط دبلوماسية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإجباره على قبول الاتفاق.
ونقلت مصادر إسرائيلية سابقة أن ترامب قال بوضوح في تلك اللحظة: «كفى… حان وقت إنهاء الحرب».
وأوضح أحد المسؤولين أن هذه الصفقة كانت مشابهة لاتفاقات مطروحة منذ أكثر من عام، لكن نتنياهو كان يرفضها، إلى أن ضغط ترامب بشكل مباشر ولم يمنحه خياراً سوى الموافقة.
وأضاف: «ترامب لم يقبل أعذار حماس أو نتنياهو، كان يريد سماع كلمة واحدة فقط: نعم».

ضغوط دبلوماسية منسّقة.. ووساطة عربية فاعلة
رأت الولايات المتحدة وقطر وعدة حكومات عربية أن ضربة الدوحة شكّلت فرصة نادرة لممارسة نفوذها على أطراف الصراع، وأكد مسؤول عربي أن «القصف كان الحافز الذي سرّع الضغط على الحكومة الإسرائيلية، التي كانت العقبة الأكبر أمام الاتفاق».
كما ساهمت الاجتماعات الجانبية على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي في كسر الجمود السياسي، إذ عرض ترامب خطة سلام شاملة أمام دول عربية وإسلامية تضمنت ترتيبات أمنية وإنسانية لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.
وخلال تلك الاجتماعات، أقنع ترامب نتنياهو بالاتصال برئيس الوزراء القطري للاعتذار عن قصف الدوحة، ما أعاد الثقة إلى المسار الدبلوماسي وأعاد قطر إلى قلب الوساطة.
وبحسب مصادر عربية، فإن هذا التحرك الأميركي ساهم في إقناع قطر وتركيا ودول عربية أخرى بالضغط على حماس للقبول بالاتفاق ووقف المماطلة.
كوشنر «مهندس اتفاق غزة».. ودبلوماسية لا تنام
في كواليس المفاوضات، كان لصهر ترامب ومستشاره السابق جاريد كوشنر الدور الأبرز، فبحسب مسؤولين إسرائيليين، كان كوشنر هو «المهندس الحقيقي للاتفاق»، مستفيداً من شبكة علاقاته الواسعة التي بناها خلال ولايته الأولى كمبعوث للشرق الأوسط.

وسافر كوشنر إلى مصر برفقة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف يوم الثلاثاء الماضي، حيث عملا على وضع اللمسات الأخيرة على نص الاتفاق، والذي يقسّم إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى.
المرحلة الثانية: تفتح الباب أمام مفاوضات حول مستقبل الحكم في قطاع غزة وبنود التسوية النهائية.
ووفقاً لمصدر أميركي، فإن كوشنر وويتكوف لم يناما أكثر من خمس ساعات خلال ثلاثة أيام متواصلة من المفاوضات المكثفة.
الذكرى الرمزية.. وهاجس السابع من أكتوبر
أحد العوامل التي دفعت ترامب إلى تسريع التوصل لـ اتفاق غزة كان اقتراب الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي أشعل فتيل الحرب.
فقد كشف مصدران مطلعان على سير المفاوضات أن الرئيس الأميركي كان «مهووساً» بهذا التاريخ، وأراد أن يعلن اتفاق غزة التاريخي في اليوم نفسه، باعتبارها رسالة رمزية للعالم بأن الحرب التي بدأت في ذلك اليوم انتهت بعد عامين من الدمار.
اقرأ أيضًا:
عودة الحياة لـ غزة بعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ومشاهد مؤثرة للنازحين العائدين
دبلوماسية النفوذ ونتنياهو في الزاوية
عند عرض الخطة النهائية على الحكومة الإسرائيلية، كانت الصورة واضحة: ترامب والوسطاء العرب قدّموا الاتفاق للعالم كأنه «منجز مكتمل»، بحيث إن رفضه كان سيُعتبر إهانة علنية للرئيس الأميركي.
وقال مسؤول إسرائيلي سابق: «ترامب والعالم العربي أظهرا ثقة غير مسبوقة، جعلت رفض الصفقة مستحيلاً على نتنياهو»، وأضاف: «ما حدث كان عرضاً للدبلوماسية الفعّالة واستخدام النفوذ بأقصى درجاته».
اتفاق غزة الذي تم الإعلان عنه الأربعاء الماضي يمثل أول خطوة عملية نحو إنهاء الحرب في غزة بعد عامين من الدمار، ويفتح الباب أمام تدفق المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، كما يضع الأساس لمفاوضات لاحقة حول مستقبل القطاع ونزع السلاح وإعادة هيكلة الحكم المحلي، وفق ما تنص عليه خطة ترامب للسلام.