أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الإثنين، إهداء نظيره الأميركي دونالد ترامب قلادة النيل، أرفع وسام تمنحه الدولة المصرية، تقديرًا لدوره في دعم جهود السلام ووقف الحرب في قطاع غزة، وذلك خلال قمة شرم الشيخ للسلام التي تستضيفها مصر بمشاركة واسعة من قادة وزعماء العالم.
وبهذا القرار، أصبح ترامب خامس رئيس أميركي يتقلد قلادة النيل في تاريخ العلاقات بين القاهرة وواشنطن، في خطوة أثارت اهتمامًا واسعًا وتساؤلات حول رمزية الوسام ودلالاته السياسية والإنسانية.
قلادة النيل… تكريم من أجل السلام
وقال الرئيس السيسي في كلمته بالقمة: “تقديرًا لجهود الرئيس دونالد ترامب، أود أن أعلن أمام الحضور الكريم قرار مصر إهداء فخامته قلادة النيل، وهي الأرفع والأعظم شأنًا وقدرًا بين الأوسمة المصرية، وتمنح لرؤساء الدول ولمن يقدمون خدمات جليلة للإنسانية.”
وأكدت الرئاسة المصرية أن القرار يأتي “تقديرًا لإسهامات الرئيس ترامب البارزة في دعم جهود السلام ونزع فتيل النزاعات، وآخرها دوره المحوري في وقف الحرب في غزة”.
وجاء هذا التكريم في ختام القمة، التي شهدت توقيع الوثيقة الشاملة لاتفاق غزة بين الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، بهدف إنهاء الحرب في القطاع وإطلاق مسار سياسي جديد لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

ترامب في شرم الشيخ: من الوساطة إلى التكريم
ووصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مدينة شرم الشيخ للمشاركة في القمة الدولية، التي جمعت قادة من أكثر من 20 دولة، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة.
ويأتي تكريمه في وقت يرى فيه مراقبون أن الدور الأميركي لعب دورًا حاسمًا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة، عبر مفاوضات استمرت أسابيع بوساطة مصرية وقطرية وتركية.
ما هي “قلادة النيل”؟ أعلى وسام مصري عبر التاريخ
تعد قلادة النيل أرفع الأوسمة المصرية وأعظمها شأنًا، ويُنظَّم منحها وفق القانون رقم 12 لسنة 1972، الذي يجيز إهداءها لرؤساء الدول وأولياء العهود ونواب الرؤساء، وكذلك لمن يقدمون خدمات جليلة للوطن أو للإنسانية.
ووفقًا للموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية، فإن القلادة تُمنح بمعرفة رئيس الجمهورية شخصيًا، ويُؤدى التعظيم العسكري لأصحابها عند وفاتهم، تعبيرًا عن التقدير الرسمي الأعلى لمكانتهم.
تصميم يحمل رموز الحضارة المصرية
تصنع القلادة من الذهب الخالص أو الفضة المذهبة، وتُشكل على هيئة سلسلة تتعاقب فيها ثلاث وحدات مربعة محلاة بالمينا والرموز الفرعونية.
وترمز وحداتها الثلاث إلى:
حماية البلاد من الشرور
الرخاء والسعادة التي يجلبها النيل
الخير والدوام
وتتوسطها حلية دائرية تمثل رمز النيل الموحد بين الشمال والجنوب، حيث يرمز البردي للشمال واللوتس للجنوب، في دلالة على وحدة مصر منذ آلاف السنين.
ويرتدي المكرَّم القلادة حول العنق في المراسم الرسمية، لتصبح علامة على أرفع درجات التكريم الوطني.
زعماء وشخصيات نالوا قلادة النيل عبر العقود
منذ استحداثها في القرن الماضي، منحت القاهرة قلادة النيل لعدد من أبرز الشخصيات العالمية والعربية، من بينهم:
الملك فيليبي السادس ملك إسبانيا (2025)
الرئيس القبرصي السابق نيكوس أناستاسيادس (2017)
الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا (2016)
الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، عاهل السعودية
الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين
الزعيم نيلسون مانديلا
الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك
الملكة إليزابيث الثانية
مؤسس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (1971)
كما نالها أربعة رؤساء أميركيين سابقين قبل ترامب:
ريتشارد نيكسون، جيرالد فورد، جيمي كارتر، ورونالد ريغان.
أما داخل مصر، فقد حصل عليها عدد من الرموز الوطنية والعلمية، من بينهم:
جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك، عدلي منصور، المشير حسين طنطاوي،
وفي مجالات الفكر والعلم: نجيب محفوظ، أحمد زويل، محمد البرادعي، ومجدي يعقوب.
اقرأ أيضًا:
قمة شرم الشيخ للسلام.. توقيع الوثيقة الشاملة لاتفاق غزة بين الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا
الفرق بين “المنح” و”الإهداء” في وسام الدولة الأعلى
بحسب البروتوكول المصري، هناك فرق جوهري بين “منح” و”إهداء” قلادة النيل:
يُستخدم مصطلح المنح عند تكريم الشخصيات المصرية تقديرًا لإسهاماتهم الوطنية.
بينما يُقال الإهداء عندما تُمنح القلادة لرؤساء الدول أو الشخصيات الأجنبية تقديرًا لدورهم الإنساني أو السياسي.
وفي حالة الرئيس ترامب، يُعد القرار إهداءً رسميًا من الرئيس السيسي، تقديرًا لدوره في دعم جهود السلام ووقف الحرب في غزة، واعترافًا بجهوده في تقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحماس عبر الوساطة الدولية.

تكريم يحمل رسائل سياسية وإنسانية
يرى مراقبون أن منح ترامب قلادة النيل يحمل رسالة مزدوجة، من جهة، هو تعبير عن تقدير مصري للدور الأميركي في تحقيق اتفاق غزة، ومن جهة أخرى إشارة إلى عودة مصر كقوة دبلوماسية مركزية في مسار السلام بالشرق الأوسط.
كما يعكس التكريم رغبة القاهرة في تثبيت التحالف مع واشنطن في مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي، قائمة على التنمية والسلام بدلاً من الصراع.
يمثل إهداء قلادة النيل للرئيس ترامب تتويجًا لمرحلة جديدة من الدبلوماسية المصرية النشطة التي تجمع بين الرمزية الحضارية والسياسة الواقعية، وتؤكد أن مصر لا تزال محورًا رئيسيًا في صناعة السلام الإقليمي والدولي.
وفي ضوء اتفاق شرم الشيخ، يُنظر إلى هذا الوسام باعتباره أحد أبرز مظاهر الاعتراف الدولي بمكانة مصر كجسر للسلام بين الشعوب.