في تطور جديد يهدف إلى احتواء التوتر العسكري المتصاعد بين إسلام آباد وكابل، أكد ثلاثة مسؤولين أمنيين باكستانيين ومصدر من حركة طالبان الأفغانية، الجمعة، أن البلدين توصلا إلى اتفاق يقضي بتمديد وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة إضافية، تمهيدًا لعقد محادثات حاسمة في العاصمة القطرية الدوحة خلال الساعات المقبلة.
وجاء الإعلان عن التمديد بعد أيام من اشتباكات حدودية دامية أسفرت عن عشرات القتلى ومئات الجرحى، وسط تحذيرات دولية من انزلاق الجارتين إلى مواجهة عسكرية واسعة قد تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

وفدان من باكستان وأفغانستان إلى الدوحة لاستئناف الحوار
ووفقًا للمصادر الأمنية التي تحدثت لوكالات أنباء دولية، وصل وفد باكستاني رسمي إلى الدوحة بالفعل يوم الجمعة، بينما من المنتظر أن يصل الوفد الأفغاني السبت، تمهيدًا لبدء جولة جديدة من المحادثات تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار ومناقشة آليات الحد من التصعيد الحدودي.
وتُجري المفاوضات بوساطة قطرية غير معلنة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين البلدين الجارين اللذين تدهورت علاقاتهما الأمنية خلال الأشهر الأخيرة بسبب اتهامات متبادلة بدعم الجماعات المسلحة.
هدنة مؤقتة أوقفت القتال العنيف على الحدود
وكان البلدان قد توصلا، الأربعاء الماضي، إلى هدنة مؤقتة أوقفت القتال الذي استمر أيامًا في المناطق الحدودية بين إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني وولاية ننغرهار الأفغانية.

وأدت المواجهات، وفق تقارير محلية، إلى مقتل العشرات من الجانبين وإصابة المئات، بينهم مدنيون، قبل أن تتدخل أطراف دولية للضغط من أجل التهدئة.
وقالت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) إن القتال أدى إلى مقتل 37 مدنيًا وإصابة 425 آخرين على الجانب الأفغاني من الحدود، مشيرةً إلى أن العديد من الضحايا كانوا من النساء والأطفال.
ودعت البعثة في بيانها إلى إنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم، مؤكدة أن استمرار الصراع سيؤدي إلى “تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة الحدودية الهشة”.
أسباب التصعيد الأخير بين الجارتين
بدأت المواجهات المسلحة بين باكستان وطالبان الأفغانية الأسبوع الماضي، عقب سلسلة انفجارات في العاصمة الأفغانية كابل.
واتهمت سلطات طالبان إسلام آباد بالضلوع في تلك التفجيرات، وهو ما نفته باكستان بشدة، معتبرة الاتهامات “محاولة لصرف الأنظار عن فشل طالبان في ضبط الأمن الداخلي”.
وردت الحركة بشن هجوم قرب الحدود الباكستانية، أدى إلى مقتل عدد من الجنود، مما دفع الجيش الباكستاني إلى التعهد برد قوي، محذرًا من أن بلاده “لن تتهاون مع أي اعتداء على سيادتها”.
وتعكس هذه التطورات حجم التوتر المزمن في العلاقات الباكستانية الأفغانية، التي تتأرجح بين التعاون الحذر والاتهامات المتبادلة منذ عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس 2021.

اتهامات متبادلة ودعوات للتهدئة
تتهم باكستان جارتها أفغانستان بـ”إيواء وتقديم الدعم اللوجستي لجماعات إرهابية”، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان (TTP)، التي تنفذ هجمات متكررة ضد قوات الأمن داخل الأراضي الباكستانية.
وتقول إسلام آباد إن قيادة الحركة ومقاتليها يتمركزون داخل الأراضي الأفغانية ويشنّون هجماتهم من هناك، بينما تنفي كابل هذه الاتهامات، مؤكدة أنها “لن تسمح باستخدام أراضيها للإضرار بأي دولة مجاورة”.
ويرى محللون أن استمرار الاتهامات المتبادلة يعكس غياب الثقة بين الطرفين، ويُضعف فرص بناء تعاون أمني فعّال لمواجهة التحديات المشتركة، خصوصًا في ظل نشاط الجماعات المتطرفة في المناطق الحدودية الوعرة.
اقرأ أيضًا:
قضية فساد تهز الصين بحق نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية و8 مسؤولين كبار
تحذيرات دولية من تجدد العنف
حذرت الأمم المتحدة وعدد من الدول الكبرى من خطر انهيار الهدنة المؤقتة، مؤكدة أن أي تصعيد جديد سيؤدي إلى كارثة إنسانية وأمنية في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة.
ودعت المنظمة الدولية إلى حل الخلافات عبر الحوار والدبلوماسية، مشيدة بقرار البلدين تمديد وقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو التهدئة المستدامة.

كما أعربت منظمات إنسانية دولية عن قلقها من تزايد أعداد النازحين قرب الحدود، وسط مخاوف من نقص حاد في الإمدادات الغذائية والطبية نتيجة إغلاق المعابر الحدودية خلال الأيام الماضية.
تأتي محادثات الدوحة ضمن دور الوساطة المتنامي الذي تلعبه قطر في أزمات المنطقة، بعد نجاحها في تسهيل مفاوضات بين واشنطن وطالبان خلال السنوات الماضية.
ويأمل المراقبون أن تسفر الجولة الجديدة من المحادثات عن تفاهمات طويلة الأمد تضع حدًا للتوتر المستمر بين باكستان وأفغانستان، وتعيد الاستقرار إلى المناطق الحدودية التي تشهد توترات متكررة منذ عقود.