في خطوة أثارت جدلًا سياسيًا واجتماعيًا واسعًا داخل البرتغال وخارجها، أقرّ البرلمان البرتغالي، الجمعة، في تصويت أولي، مشروع قانون يمنع تغطية الوجه في الأماكن العامة، بما يشمل النقاب والبرقع، وذلك بمبادرة من حزب “شِغا” اليميني المتطرف.
ويقضي المشروع بفرض غرامات مالية تصل إلى 4 آلاف يورو على من يخالف القرار، ليضع البرتغال على الطريق نحو الانضمام إلى قائمة الدول الأوروبية التي فرضت حظرًا على أغطية الوجه الدينية.

مشروع قانون حظر النقاب في البرتغال
ينص مشروع القانون الذي تقدم به حزب “شِغا” (Chega) على منع ارتداء الأغطية الكاملة مثل البرقع، الذي يغطي الجسد بالكامل، والنقاب، الذي يغطي الوجه مع إبقاء فتحة صغيرة حول العينين، في الأماكن العامة، مثل الشوارع، المرافق الحكومية، وسائل النقل العام، والمؤسسات التعليمية.
ويستثني المشروع من الحظر الطائرات، والمقرات الدبلوماسية، ودور العبادة، حيث يُسمح للنساء بارتداء أغطية الوجه لأسباب دينية بحتة.
ووفق نص القانون، فإن من يخالف القرار سيتعرض لغرامة مالية تتراوح بين 500 و4 آلاف يورو، على أن تُحدد آلية التنفيذ والمراقبة لاحقًا من قبل الشرطة الوطنية والسلطات المحلية.
المسار التشريعي المقبل
بعد تمرير المشروع في التصويت الأولي داخل البرلمان، ينتظر القانون الآن موافقة الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا، الذي يمتلك صلاحية المصادقة على القانون أو الاعتراض عليه وإحالته إلى المحكمة الدستورية للمراجعة.

ويرى مراقبون أن موقف الرئيس سيكون حاسماً في تحديد مصير المشروع، خاصة في ظل الجدل القانوني والأخلاقي الذي أثاره داخل المجتمع البرتغالي.
تأييد من اليمين ومعارضة من اليسار
حظي المشروع بدعم من أحزاب يمين الوسط التي رأت في الخطوة إجراءً ضرورياً لحماية الأمن العام وتعزيز الهوية الوطنية، بينما عارضته الأحزاب اليسارية بشدة، معتبرة أنه يستهدف الأجانب والمسلمين ويهدد مبادئ التعددية والحرية الدينية التي تميز المجتمع البرتغالي.
وقال نواب يساريون إن المشروع “يخلق مشكلة غير موجودة أصلاً”، مشيرين إلى أن عدد النساء اللواتي يرتدين النقاب أو البرقع في البلاد محدود جداً ولا يشكل ظاهرة اجتماعية.
في المقابل، برّر حزب “شِغا” طرحه للقانون بالقول إن “تغطية الوجه تتعارض مع قيم الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية”، مؤكداً أن الحظر يهدف إلى تعزيز التواصل والشفافية في الفضاء العام وليس إلى استهداف فئة دينية بعينها.
اقرأ أيضًا:
من سيبيريا إلى ألاسكا.. موسكو تطلق مشروع “نفق بوتين–ترامب” لربط روسيا بأمريكا
البرتغال تنضم إلى موجة أوروبية
في حال اعتماد القانون رسميًا، ستنضم البرتغال إلى عدد من الدول الأوروبية التي فرضت حظراً كاملاً أو جزئياً على أغطية الوجه، مثل فرنسا (2010)، وبلجيكا (2011)، والنمسا (2017)، وهولندا (2019).
وتبرر هذه الدول إجراءاتها غالباً باعتبارات أمنية وثقافية، فيما تعتبرها منظمات حقوق الإنسان تقييداً لحرية المعتقد والتعبير الشخصي.
ويرى محللون أن الخطوة البرتغالية تعكس تحولاً تدريجيًا نحو سياسات يمينية أكثر تشددًا داخل أوروبا الغربية، في ظل تزايد نفوذ الأحزاب اليمينية الشعبوية.

خلفيات سياسية داخلية
يأتي التصويت على مشروع القانون في وقت يسعى فيه حزب “شِغا” إلى تعزيز حضوره في المشهد السياسي بعد حصوله على نتائج غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ويحاول الحزب، بقيادة أندريه فنتورا، كسب تأييد الناخبين المحافظين من خلال تبني ملفات مثيرة للجدل مثل الهجرة، والهوية الوطنية، والأمن الداخلي، وهي القضايا التي يراها مفتاحًا لاستعادة “القيم البرتغالية الأصيلة”، على حد وصفه.
وقد أثار القرار موجة واسعة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسم الرأي العام بين مؤيد يعتبر القانون خطوة لحماية الهوية الوطنية، ومعارض يراه تمييزاً ضد النساء المسلمات.
وفي المقابل، أعربت بعض المنظمات الحقوقية الأوروبية عن قلقها من تصاعد خطاب الكراهية ضد الأقليات في البرتغال، داعية إلى توازن بين الحرية الفردية واحترام العادات الوطنية.
رغم محدودية تأثير الحظر على أرض الواقع نظراً لقلة عدد المنقبات في البلاد، إلا أن رمزية القرار السياسية والثقافية تجعله خطوة مفصلية في مسار تنامي نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا.
ويبقى السؤال الأهم: هل سيصادق الرئيس على القانون ويجعل من البرتغال الدولة الأوروبية الخامسة التي تحظر أغطية الوجه؟ أم سيتدخل لوقف موجة التشدد حفاظاً على صورة البلاد كبلد منفتح ومتسامح؟