شهد العالم هذا الشهر ظهور تطبيق ثوري من شركة «أوبن إيه آي»، مبتكرة «شات جي بي تي»، أثار مزيجًا من الدهشة والقلق.
التطبيق الجديد، المعروف باسم «سورا» (Sora)، يمكّن المستخدمين من إنشاء مقاطع فيديو واقعية المظهر باستخدام الذكاء الاصطناعي فقط من خلال كتابة وصف بسيط، مثل: “لقطة من كاميرا الشرطة المثبتة تُظهر كلبًا يُعتقل بعد سرقته شريحة لحم من متجر كوستكو”.
ويعد «سورا» تطبيقًا مجانيًا متاحًا على أجهزة «آيفون»، وقد تحول بسرعة إلى ظاهرة ترفيهية وموضوع نقاش واسع في الأوساط التقنية والإعلامية.
فمنذ إطلاقه، امتلأت مواقع التواصل بمقاطع طريفة مزيفة تُظهر مواقف خيالية مثل حيوان راكون على متن طائرة، أو مشاجرات بين مشاهير بأسلوب الرسوم اليابانية (الأنمي).
إلا أن هذه الظاهرة لم تقتصر على التسلية فقط، إذ سرعان ما استخدم البعض التطبيق لأغراض مضللة، مثل نشر فيديوهات أمنية مزيفة لجرائم لم تحدث أصلًا، مما أثار مخاوف حقيقية بشأن مستقبل الثقة في الوسائط البصرية.

انهيار مفهوم “الحقائق البصرية”
يمثل تطبيق «سورا»، إلى جانب أدوات مشابهة طرحتها شركات مثل «ميتا» و«جوجل»، تحولًا جذريًا في طريقة إدراكنا للواقع الرقمي، فحتى وقت قريب، كان الفيديو يعتبر أكثر الأدلة موثوقية على الأحداث، بعد أن أصبحت الصور سهلة التلاعب.
أما اليوم، ومع قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج مقاطع شبه حقيقية تمامًا، فقد انتهى عصر “الفيديو كدليل قاطع على الحقيقة”.
يقول رين نغ، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا – بيركلي: “أدمغتنا مبرمجة لتصدق ما تراه، لكن يجب أن نتعلم التوقف والتفكير: هل ما نشاهده حدث فعلًا في العالم الحقيقي؟”.
وقد أصبح هذا الوعي ضرورة بعد أن تصدّر «سورا» قائمة التطبيقات المجانية في متجر «آب ستور»، ما أثار قلقًا متزايدًا في هوليوود من احتمال انتهاك حقوق الملكية الفكرية للأفلام والعروض عبر مقاطع مولّدة دون إذن.
وفي هذا السياق، صرّح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ«أوبن إيه آي»، أن الشركة تعمل على تطوير آلية تتيح لأصحاب الحقوق التحكم في كيفية استخدام شخصياتهم، إضافة إلى تمكينهم من تحقيق عائد مادي من استخدام هذه التقنية.
كيف يعمل تطبيق “سورا”؟
التطبيق متاح للتحميل مجانًا، لكنه يعتمد على نظام الدعوات، إذ لا يمكن للمستخدمين الجدد الوصول إليه إلا عبر رمز دعوة من مستخدم آخر. وقد بدأت رموز الدعوة تنتشر على منصات مثل «ريديت» و«ديسكورد».

يشبه «سورا» في تصميمه تطبيقات الفيديو القصيرة مثل «تيك توك» و«ريلز»، إذ يمكن للمستخدم كتابة وصف نصي (Prompt) لإنشاء مشهد، مثل: “قتال بين بيغي وتوباك بأسلوب أنمي قاتل الشياطين”. كما يمكن رفع صورة حقيقية وتحويلها إلى فيديو متكامل في أقل من دقيقة، ثم نشره مباشرة على التطبيق أو مشاركته عبر المنصات الاجتماعية.
اللافت في «سورا» هو مستوى الواقعية الذي يقدمه، إذ تفوقت جودة المقاطع المنتجة عليه على خدمات مشابهة مثل «فيو 3» من «جوجل» أو «فايب» التابعة لـ«ميتا»، وهو ما جعله حديث المستخدمين وخبراء التقنية على حد سواء.
بين الزيف والواقع: ما الذي يعنيه هذا التحول؟
أصبح من الصعب اليوم على المستخدم العادي التمييز بين الحقيقة والوهم. فمع تطبيقات مثل «سورا»، يمكن لأي فيديو متداول على «تيك توك» أو «يوتيوب شورتس» أن يكون مزيفًا بالكامل.
يرى لوكاس هانسن، مؤسس منظمة «سيف إيه آي» غير الربحية، أن هذا التطور “سينهي إلى الأبد فكرة قبول الفيديو كدليل على أي شيء”.
ورغم فرض «أوبن إيه آي» قيودًا على محتوى «سورا» لمنع استخدامه في إنتاج فيديوهات تحتوي على محتوى إباحي أو تحريضي أو معلومات صحية مضللة، إلا أن اختبارات المستخدمين أظهرت إمكانية التحايل على تلك القيود.
فقد تمكن بعضهم من إنشاء مقاطع مزيفة لحوادث مرور يمكن استخدامها في الاحتيال التأميني، أو فيديوهات طبية مزيفة تستشهد بدراسات غير موجودة، أو حتى تقارير إخبارية وهمية تُشوه سمعة أشخاص حقيقيين.
آليات الحماية والتتبع داخل “سورا”
تؤكد «أوبن إيه آي» أنها أدرجت تقنيات لتتبع مصدر المقاطع المُنشأة عبر التطبيق، منها العلامات المائية والبيانات المضمنة داخل الفيديوهات كنوع من “التوقيع الرقمي”.
كما شددت الشركة على أن سياساتها تمنع أي محتوى يهدف إلى التضليل أو انتحال الهوية، وتتعهد بإزالة أي مواد مخالفة فور اكتشافها.
إلا أن هذه العلامات المائية يمكن في بعض الأحيان إزالتها، مما يزيد من صعوبة التحقق من صحة المقاطع المنتشرة على الإنترنت، وغالبًا ما تكون الفيديوهات المنتجة بواسطة «سورا» قصيرة المدة (حوالي 10 ثوانٍ)، لكنها تتميز بجودة عالية قد تضاهي إنتاجات السينما.

ويقول هانسن إن “أي مقطع يبدو بجودة أفلام هوليوود دون أن يصدر من جهة معروفة، يجب التعامل معه بحذر”.
كيف نواجه هذا التحدي؟
رغم محاولات الشركات التقنية لابتكار آليات كشف الزيف، يرى خبراء مثل هاني فريد، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا ومؤسس شركة «Get Real Security»، أن الحلول التقنية لا تكفي. ويضيف: “أي نصيحة لكشف الفيديوهات المزيفة ستكون مؤقتة، لأن التطور في الذكاء الاصطناعي أسرع من قدرتنا على المواكبة”.
ويخلص فريد إلى أن أفضل وسيلة للحماية هي تقليل الاعتماد على المنصات المليئة بالمحتوى القصير مثل «تيك توك» و«إنستجرام» و«سناب شات»، إذ أصبحت هذه التطبيقات بيئة خصبة لانتشار المقاطع المزيفة المصنوعة بدقة شبه مثالية.
اقرأ ايضًا…أبل توضح سبب ظهور رسائل “لم يتم التسليم” في iMessage على نظام iOS 26
