في خطوة وُصفت بأنها «حاسمة وحذرة» في آنٍ واحد، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إعلاناً دستورياً جديداً يفتح الطريق أمام نائبه حسين الشيخ لتولي مهام رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية مؤقتاً في حال شغور المنصب، وذلك إلى حين إجراء الانتخابات العامة. القرار الذي جاء في توقيت بالغ الحساسية، يهدف – وفق مصادر فلسطينية – إلى ضمان انتقال سلس للسلطة ومنع أي محاولات لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية أو خلق مرجعيات بديلة.

إعلان دستوري جديد يحدد آلية انتقال السلطة

نصّ الإعلان الدستوري الذي صدر الأحد على أنه في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية – وهو في الوقت نفسه نائب رئيس دولة فلسطين – مهام الرئاسة مؤقتاً لمدة لا تتجاوز 90 يوماً، تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لاختيار رئيس جديد، وفق قانون الانتخابات الفلسطيني.
وفي حال تعذر إجراء الانتخابات خلال المدة المحددة لأسباب قاهرة، يجوز للمجلس المركزي الفلسطيني تمديد الفترة لمرة واحدة فقط.

وجاء في نص القرار أن  محمود عباس أصدر هذا الإعلان «إيماناً ووعياً منا بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن والقضية الفلسطينية، وحرصاً على حماية النظام السياسي وصون مؤسساته الدستورية وضمان استمرارية عملها في حال شغور المنصب». كما شدد على أهمية الاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة.

أسباب قرار محمود عباس 

لم يوضح الرئيس محمود عباس أسباب هذا القرار في هذا التوقيت تحديداً، إلا أن مصادر مطلعة في رام الله أكدت لصحيفة الشرق الأوسط أن الخطوة كانت «ضرورية ومطلوبة» نظراً لتعقيدات المرحلة الراهنة.

وقالت المصادر إن القرار جاء استجابة لعدة اعتبارات أبرزها:

حساسية المرحلة السياسية والأمنية وضرورة وجود شخصية قيادية تمتلك الخبرة والعلاقات الواسعة مثل حسين الشيخ على رأس السلطة في أي طارئ.

منع محاولات تجاوز منظمة التحرير الفلسطينية أو تشكيل قيادات ومرجعيات بديلة.

الالتزام بالإصلاحات والتغييرات التي تعهدت بها القيادة الفلسطينية استجابة للضغوط المحلية والدولية.

كما أشارت المصادر إلى أن الإعلان «لا ينصب حسين الشيخ رئيساً دائماً»، بل يحدد إطاراً دستورياً مؤقتاً يضمن الانتقال السلس للسلطة حتى إجراء الانتخابات.

خطوة تلغي الإعلان الدستوري السابق

القرار الجديد ألغى الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024، الذي كان ينص على أن يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح مهام رئاسة السلطة مؤقتاً. وبذلك، يكون محمود عباس قد حسم الجدل حول هوية القائم بأعمال الرئيس مستقبلاً، محدداً الشيخ بصفته نائب الرئيس الحالي كخليفة مؤقت له.

ويُنظر إلى الخطوة على أنها ترسيخ لمكانة حسين الشيخ داخل المؤسسة السياسية الفلسطينية، وتعزيز لاحتمالات ترشحه للرئاسة في حال إجراء الانتخابات.

حسين الشيخ “رجل المرحلة” المقرب من عباس

منذ توليه منصب نائب الرئيس في أبريل (نيسان) الماضي، برز حسين الشيخ كأحد أكثر الشخصيات نفوذاً في المشهد الفلسطيني. ويُعد من المقربين جداً للرئيس محمود عباس، حيث تولى إدارة ملفات حساسة أبرزها العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب مشاركته الفاعلة في الحوارات العربية والإقليمية حول مستقبل السلطة الفلسطينية وقطاع غزة.

وقالت مصادر فلسطينية إن الشيخ هو «الطباخ الرئيسي للسياسات الحالية»، وأصبح عنواناً للاتصالات الدولية، خصوصاً مع واشنطن. وأوضحت أن القرار الأخير «منطقي» لأنه يعكس الواقع السياسي داخل مؤسسات السلطة.

يأتي الإعلان الدستوري الجديد وسط تحركات أميركية وغربية وعربية مكثفة تتعلق بـ«اليوم التالي في قطاع غزة».
وتؤكد السلطة الفلسطينية تمسكها بموقفها الرافض لأي تشكيلات إدارية أو أمنية في غزة لا تعمل تحت مظلتها الشرعية، كما ترفض نشر قوات دولية إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، مع حصر مهامها في الحدود فقط، باعتبار أن الأمن الداخلي شأن فلسطيني بحت.

موقف حركة «فتح»: لا شرعية خارج منظمة التحرير

عقب اجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة – التي غابت عنها حركة «فتح» – أصدرت الحركة بياناً أكدت فيه أن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين هما الإطار الشرعي الوحيد الذي يمثل الشعب الفلسطيني.
ورفضت «فتح» ما وصفته بـ«محاولات القفز عن الشرعية الوطنية أو تجاوزها»، مشددة على أن أي حلول أو ترتيبات يجب أن تمر عبر المؤسسات الرسمية الفلسطينية.

كما أكدت الحركة على مبدأ «السلطة الواحدة والسلاح الواحد والقانون الواحد»، داعية إلى معالجة شاملة لقضية السلاح بما يضمن وحدة الموقف الفلسطيني ويحول دون استمرار الانقسام الداخلي.

اقرأ أيضًا:

فريق مصري يدخل إلى غزة للمساعدة في تحديد مواقع جثث الرهائن الإسرائيليين

دعم مصري للسلطة والإصلاحات

وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن الوزير بدر عبد العاطي بحث هاتفياً مع نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية وسبل توحيد الصف، إلى جانب الإصلاحات الجارية في مؤسسات السلطة.

وأكدت القاهرة دعمها الكامل للقيادة الفلسطينية ومساندتها في تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة إعمار غزة، مشيرة إلى أن الإعلان الدستوري الأخير يمثل خطوة مهمة لتنظيم المرحلة المقبلة وتفعيل مؤسسات الدولة.

كما ناقش الجانبان التحضيرات لعقد مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية في غزة، مع التأكيد على أهمية توفير الدعم الدولي اللازم لتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني.

يرى مراقبون أن قرار الرئيس محمود عباس، البالغ من العمر 90 عاماً، يحمل رسالة واضحة مفادها أن السلطة الفلسطينية لا تنوي التخلي عن دورها في غزة أو في إدارة الشأن الوطني، بل تسعى لتجديد مؤسساتها وتنظيم عملية الخلافة بطريقة تضمن الاستقرار السياسي.

كما يعكس القرار محاولة لطمأنة القوى الإقليمية والدولية بأن النظام السياسي الفلسطيني قادر على إدارة الانتقال بسلاسة دون فراغ في السلطة، في ظل التحديات الأمنية والسياسية الراهنة.