بدأت، اليوم الإثنين، في العاصمة الفرنسية باريس، محاكمة 10 أشخاص بتهم تتعلق بـالتنمر الإلكتروني والتشهير بحق السيدة الفرنسية الأولى بريجيت ماكرون، على خلفية نشرهم تعليقات مسيئة وخبيثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بجنسها وميولها الجنسية وفارق السن بينها وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتأتي هذه المحاكمة في أعقاب موجة من الهجمات الإلكترونية التي طالت بريجيت ماكرون خلال العام الماضي، والتي أعادت إلى الواجهة نظريات مؤامرة قديمة زعمت أن زوجة الرئيس الفرنسي “رجل متحول جنسياً”، وهي المزاعم التي وصفتها عائلة ماكرون بأنها “كاذبة ومهينة”.

من نظرية مؤامرة إلى محاكمة علنية
وبحسب الادعاء العام الفرنسي، فإن المحاكمة تتعلق بشكوى قانونية قدمها محامي السيدة الأولى بريجيت ماكرون في أغسطس/آب 2024، ادعى فيها أن موكلته كانت ضحية حملة تنمر إلكتروني ممنهجة عبر الإنترنت.
وأدت الشكوى إلى موجتين من الاعتقالات في فبراير/شباط ومارس/آذار 2025، بعد أن تمكنت السلطات من تحديد حسابات متعددة على منصات التواصل الاجتماعي شاركت في نشر وإعادة تداول ادعاءات كاذبة بشأن السيدة ماكرون.
وقال المدعي العام الفرنسي إن التحقيقات أظهرت أن العديد من التعليقات المنشورة تضمنت إهانات خبيثة وتلميحات مسيئة عن الهوية الجنسية لـ بريجيت ماكرون، كما تضمنت منشورات وصفت فارق السن بينها وبين زوجها بأنه “حالة اعتداء جنسي على الأطفال”.
تفاصيل المحاكمة والمتهمين
تضم قائمة المتهمين ثمانية رجال وامرأتين تتراوح أعمارهم بين 41 و60 عامًا، ومن بينهم مسؤول منتخب، ومدرس، وأخصائي تكنولوجيا معلومات، وصاحب عمل حر، ومدير معرض فني، ومدير عقارات.

وبحسب قناة BFMTV الفرنسية المتعاونة مع شبكة CNN، فإن أحد أبرز المتهمين هو أوريليان بوارسون-أتلان (41 عامًا)، وهو مدير تنفيذي للإعلانات يُعرف على الإنترنت بالاسم المستعار “Zoé Sagan”، وقد اشتهر بترويجه نظريات مؤامرة واسعة الانتشار على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، قبل أن يتم تعليق حسابه رسميًا.
ومن المتوقع أن تستمر المحاكمة لمدة يومين، على أن يصدر الحكم خلال الأسابيع المقبلة، وسط اهتمام إعلامي كبير في فرنسا وأوروبا نظرًا لحساسية القضية وارتباطها المباشر بعائلة الرئيس الفرنسي.
ارتباط القضية بدعوى أمريكية ضد المذيعة كانديس أوينز
وتأتي هذه المحاكمة بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من رفع الرئيس إيمانويل ماكرون وزوجته دعوى تشهير في ولاية ديلاوير الأمريكية ضد المذيعة اليمينية كانديس أوينز، حيث وجّها لها 22 تهمة تتعلق بـ”نشر مزاعم كاذبة ومضللة”.
وتزعم الدعوى الأمريكية أن أوينز شنت حملة تشهير ممنهجة على مدار عام كامل ضد عائلة ماكرون، تضمنت إنتاج مقاطع فيديو ومحتوى رقمي يروج لنظرية المؤامرة القائلة بأن “السيدة الأولى الفرنسية رجل متحول جنسياً”.
وفي مارس/آذار الماضي، نشرت أوينز مقطع فيديو على منصة يوتيوب بعنوان “هل سيدة فرنسا الأولى رجل؟”، وأعادت نشره على منصة إكس قائلة إن ما تزعم أنه “أكبر فضيحة في التاريخ السياسي الحديث”.
وبحسب الدعوى، أنتجت أوينز لاحقًا سلسلة من المقاطع بعنوان “أن تصبح بريجيت” (Becoming Brigitte)، شارك فيها أكثر من 4.5 مليون مشترك على قناتها في يوتيوب، ما أدى إلى تصاعد الهجمات الإلكترونية على السيدة الأولى الفرنسية.
موقف الادعاء الفرنسي
أكد الادعاء العام أن القضية الحالية لا ترتبط مباشرة بالدعوى الأمريكية، لكنها جزء من سلسلة ملاحقات قضائية تهدف إلى حماية السيدة الأولى من الإساءة الإلكترونية، والتصدي لما وصفه بـ”خطاب الكراهية الجنسي والسياسي المتزايد عبر الإنترنت”.

وقال المدعي العام في كلمته الافتتاحية أمام المحكمة إن “هذه المحاكمة ليست قضية رأي أو حرية تعبير، بل قضية إهانة وتحريض وتشهير مقصود”، مضيفًا أن فرنسا “لن تتسامح مع حملات التنمر التي تستهدف شخصيات عامة على أساس النوع أو الجنس أو الانتماء السياسي”.
اقرأ أيضًا:
محمود عباس يمهّد لخلافته| حسين الشيخ رئيساً مؤقتاً للسلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب
ردود فعل وتداعيات قضية بريجيت ماكرون
ولقيت القضية اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية، حيث اعتبرها كثيرون اختبارًا جديدًا لمدى قدرة النظام القضائي الفرنسي على مواجهة جرائم الإنترنت التي تمس الحياة الخاصة والعامة للشخصيات السياسية.
ويرى مراقبون أن المحاكمة قد تشكل سابقة قانونية مهمة في فرنسا، كونها أول قضية بهذا الحجم تستهدف مجموعة من مستخدمي الإنترنت بسبب تعليقات مسيئة تتعلق بالهوية الجندرية لشخصية سياسية بارزة.
بينما ينتظر الفرنسيون صدور الحكم في هذه القضية التي أثارت جدلاً كبيرًا حول حرية التعبير وحدودها، تبقى قضية بريجيت ماكرون رمزًا للصراع المتصاعد بين الخصوصية الشخصية وحرية الرأي على المنصات الرقمية.
ويرى محللون أن نتائج هذه المحاكمة قد تفتح الباب أمام تغييرات تشريعية جديدة في فرنسا وأوروبا تهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية والتنمر الإلكتروني بشكل أكثر صرامة.
