الشفرات السرية والتحدث بالهمس والشك الذي يراودك في كل لحظة.. مشاهد عشناها داخل صفحات رواية للكاتب البريطاني جوروج أورويل تحت عنوان “1984”، ولكننا الآن نعيشها مرة أخرى مع شهادات السوريين الذين تحدثوا عن حياتهم اليومية خلف جدران الرعب التي حاصرهم بها نظام حافظ الأسد ونجله المخلوع بشار الأسد لما يقرب من 50 عامًا..
كيف استخدم السوريون الشفرات السرية للهرب من قبضة الأسد؟
في تقرير لصحيفة واشنطن بوست، استعرض شهادات مجموعة من السوريين الذين عاشوا تحت حكم أنظمة الأسد التي فرضت هالة من الرعب بأعين مخابراتها المتربصة بالمواطنين في المقاهي وسيارات الأجرة وحتى في غرف المعيشة.
وخلال التقرير، جمع الكاتبان بالصحيفة، محررتها للشؤون الخارجية روبي ميلين ومراسلها في بيروت محمد الشماع، إفادات عدد من المواطنين حول الشفرات السرية التي اخترعوها للهرب من قبضة المخابرات.
وفي تصريحاتهم، كشف المواطنون بأنهم إذا شكوا في أمر أحد ما بأنه تابع للجهاز الأمني، قالوا عنه إن “خطه جميل”. وانهم عاشوا في خوف من مستمر من “ذوي الخطوط الجميلة”، سواء داخل سوريا أو حتى عندما نزحت جراء الحرب للبنان مع عائلتها.
وتحدث آخرين، عن تجربة تداول العملة الأجنبية والتي كان يعاقب عليها بالسجن لسنوات، وبالتالي، اخترع السوريون كلمة “الأخضر” للإشارة إلى الدولار الأمريكي، ولكن بعدما اكتشفت السلطات مغزى تلك الكلمة، قام السوريون بتغييرها إلى مصطلحات أخرى تدل على اللون الأخضر مثل “البقدونس” أو “النعناع”.
خالتي بتسلم عليك بالمصري
ورجوعًا إلى شفرة تم استخدامها من قبل شخصية “آمال: نادية الجندي” في فيلم “مهمة في تل أبيب”، وهي “خالتي بتسلم عليك”، سنرى استخدام شفرة مماثلة في سوريا، تشير إلى السجن والاعتقال.
ولأن السوريون عاشوا رعبًا حقيقيًا من فكرة الاعتقال والمكوث بالسجن، فكانوا يشيرون إلى السجن بعبارة “بيت الخالة”. فكان الناس يقولون “فلان ذهب إلى بيت خالته”.
وطبقًا لإحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تعرض أكثر من 110 آلاف معتقل للاختفاء القسري على يد النظام منذ 2011، وتوفي أكثر من 15 ألفا جراء التعذيب.
إقرأ أيضًا:
الصهيونية بين فكي الأسد الإفريقي.. كيب تاون تنبذ 400 يهودي من أجل فلسطين
فنجانًا من القهوة أو كوبًا من الشاي؟
الشفرات السرية لم تقتصر على المواطنين السوريين، بل كان نظام الأسد نفسه يمتلك “معجم شيطاني” خاص به. ففي حال أرادت المخابرات استدعاء شخص ما لاستجوابه، دعته إلى “كوب شاي”.
أما إذا كانت الدعوة على “فنجانًا من القهوة” فتلك الكارثة، لأن هذا الشخص سيتعرض للعقوبة داخل جدران مخيفة في معتقلات وسجون الأسد، وفقًا لتصريحات عبد الوارث اللحام (45 عامًا) الذي تعرض للاعتقال لمدة يومين في عام 2012.
وبحسب تصريحات اللحام، تعرض للضرب بالسياط والقضبان المعدنية لساعات، مشيرًا إلى أنه تفاجىء آنذاك، “بمدى قدرة الجسم البشري على التحمل”، وبعد ليلتين قضاها بين الضرب والتعذيب في زنزانته، أُطلق سراحه وغادر السجن.
سقوط نظام الأسد في 12 يومًا
“اثنا عشر يومًا فقط” كانت كفيلة بإحداث تحول جذري في النظام الذي حكم سوريا لأكثر من خمسة عقود، وهو نظام قام على أسس عائلية، حيث احتكر السياسة والموارد، واستخدم القوة القمعية ضد طموحات الشعب في الحرية والعدالة. طوال هذه السنوات، خلف النظام ملايين من الضحايا من قتلى وسجناء ومهجّرين، مما جعل سقوطه السريع مفاجأة غير متوقعة حتى بالنسبة لأكثر المتفائلين. إلا أن ما رافق هذه الفترة من معاناة كانت تداعياتها واضحة على المدى البعيد.
وبالرغم من حالة الجمود التي استمرت منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين (قوات المعارضة والقوات الحكومية)، برعاية روسية تركية في محافظة إدلب في مارس 2020، إلا أن المعارضة السورية لم تكف عن سعيها لهدم نظام الأسد.
عملت المعارضة السورية المسلحة على تعزيز قدراتها العسكرية وتحويل هيكلها إلى قوة شبه نظامية، مع التركيز على تحسين مستوى التدريب والاحترافية. على الجهة المقابلة، كانت القوات الحكومية تشهدُ تدهورا داخليا متزايدا بفعل انهيار العُملة وضعف الاقتصاد وتفشي الفساد والجريمة.
وفي 26 نوفمبر الماضي، قامت مدفعية النظام بقصف مدينة أريحا بريف حلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة، مما أسفر عن مقتل وإصابة 16 شخصًا، الأمر الذي زاد من تأجيج الوضع الميداني.
وفي الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء الموافق 27 نوفمبر، شنت فصائل المعارضة السورية، عملية عسكرية ضد القوات الحكومية السورية وحلفائها باسم “ردع العدوان”، حققت المعارضة المسلحة تقدما كبيرا وظهرت في ثوب أكثر تماسكا وتنظيما.
سيطرت المعارضة السورية المسلحة على 20 بلدة وقرية في ريفي حلب وإدلب، إلى جانب قاعدة الفوج 46، النقطة الإستراتيجية الأهم في الطريق إلى حلب. وفي اليوم التالي، سيطرت على المزيد من القرى وشنت هجومًا على مدينة حلب التي سقطت في خلال ساعات وكانت بداية السقوط الكبير.
وكان المشهد الأبرز، هو الخطاب الذي ألقاه القائد بإدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية أحمد الشرع – الملقب بالجولاني- في الجامع الأموي في قلب دمشق. وصرح خلاله: «النصر الذي تحقق هو نصر لكل السوريين، وشدد على أن “الرئيس المخلوع بشار الأسد نشر الطائفية واليوم بلدنا لنا جميعا».
