حين نسمع اسم الماموث الصوفي، نتخيل نابين ضخمين حلزونيين وفوقهما طبقة سميكة من الشعر الأشعث ذي اللون البني الشوكولاتي. هكذا صورت لنا الأفلام والرسومات الشائعة هذا المخلوق الضخم وهو يتجول في منطقة ثلجية مقفرة.
وإذا سألت أحدهم عن علاقة هذا العملاق مع الفيلة الحديثة، قد يجيب عن سؤالك بأنهم قد يكونوا أحفاده. ولكن هل حقًا تطور الفيل الذي يعيش حاليًا على الكوكب من الماموث؟.. هذا ما سنعرفه سويًا
هل الماموث الصوفي أجداد الفيلة الحديثة؟
تنتمي الفيلة والماموث الحديثان إلى عائلة الفيليات (Elephantidae) ولكن الماموث ما قبل التاريخ لم يتطور إلى فيلة حديثة – فهما في الواقع أبناء عمومة.
نشأت الفيلة في إفريقيا منذ حوالي سبعة ملايين سنة وانقسمت بسرعة إلى ثلاثة فروع. أدى أحدها إلى ظهور الفيلة الأفريقية الحديثة، وآخر إلى ظهور الفيلة الآسيوية، والثالث انفصل وأصبح الماموث.

إذن، ما الذي يجعل الماموث مختلفًا عن فروع الفيلة الأخرى؟. أجاب على هذا السؤال خبير الماموث البروفيسور أدريان ليستر. والذي فسر الأمر قائلًا: “إذا نظرت إلى الماموث الصوفي، فستجد أنه يتمتع بشعر كثيف وظهر مائل. إنه مرتفع جدًا عند الكتف، وينحدر نحو نهاية الذيل، وهو مختلف تمامًا عن الفيلة الحديثة.”
ويرى خبراء مثل أدريان اختلافات واضحة في جماجمهم وأسنانهم أيضًا. كما كان للماموث الصوفي آذان صغيرة جدًا وذيل أقصر من أقاربهم الأحياء.
أنواع الماموث التي عاشت على الكوكب
ماموث سوببلانيفرون – Mammuthus subplanifrons
يعد ماموثوس سوببلانيفرون، أقدم ماموث تم العثور عليه حتى الآن. وعاش منذ حوالي خمسة ملايين سنة. مثل العديد من أنواع الماموث المبكرة، لا نعرف الكثير عنه حتى الآن، ولكن لدينا حفريات لأسنانه من جنوب إفريقيا. وفي الواقع، الأسنان هي أداة مهمة حقًا للتمييز بين أنواع الماموث.
ويقول أدريان: “ثم هناك واحد لم يحصل على اسم علمي بعد من شرق إفريقيا – من كينيا وإثيوبيا. ويبلغ عمر هذه الأنواع حوالي ثلاثة أو أربعة ملايين سنة”.
وبمرور الوقت، انتقل الماموث إلى شمال إفريقيا. كما تم العثور على حفريات أخرى في الجزائر والمغرب، يتراوح عمرها ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين سنة لماموث أفريكانافوس.
ماموث رومانوس – Mammuthus rumanus
كانت هناك لحظة محورية منذ حوالي 3.5 مليون سنة عندما خرج الماموث من إفريقيا، وانتقل عبر الشرق الأوسط وانتشر بسرعة عبر أوراسيا.
وكان ماموث رومانوس، هو أول ماموث نجده خارج إفريقيا ونسله هو أول نوع ماموث نعرف عنه الكثير بالفعل.

ماموث ميريديوناليس – Mammuthus meridionalis
وفقًا لأدريان: “منذ حوالي مليوني سنة وجدنا نوعًا يسمى ماموث ميريديوناليس، لقد نجا لمدة مليون عام تقريبًا وهناك حفريات وفيرة جدًا على طول الطريق من بريطانيا إلى الصين”.
ويُعرف هذا النوع أيضًا باسم الماموث الجنوبي أو الأسلاف.
ماموث تروجونثيري – Mammuthus trogontherii
ومع تزايد موسمية المناخ في آسيا وانتشار الأراضي العشبية المعروفة باسم السهوب، انفصلت مجموعة من الماموث الجنوبي في النهاية في الشرق. وتطورت هذه إلى ماموث السهوب والتي تُعرف باسم ماموث تروجونثيري.
ويمكن رؤية هذا التغيير في الأنواع وتفضيلات الموائل من خلال أسنانها. وتشير أنماط التآكل الدقيقة على أسنان الماموث الجنوبي إلى أنه كان في الغالب يرعى الشجيرات والأشجار. ومن ناحية أخرى، تشير أسنان الماموث السهبي إلى أنه كان في الغالب يرعى العشب.
الآن، تفصل المحيطات أوراسيا وأمريكا الشمالية تمامًا، ولكن في زمن الماموث، كان هناك شريط من الأرض يربط الطرف الشرقي لروسيا بغرب ألاسكا. ويُعرف هذا باسم جسر “بيرينج الأرضي” وقد سمح للنباتات والحيوانات، بما في ذلك البشر، بالمرور من قارة إلى أخرى.
وعبرت الماموث السهوب إلى أمريكا الشمالية منذ حوالي 1.5 مليون سنة.
الماموث الصوفي – Mammuthus primigenius
تطور الماموث الصوفي (Mammuthus primigenius) منذ حوالي 800 ألف عام، في شمال شرق سيبيريا. ويعتقد العلماء أن مجموعة من ماموث السهوب التي كانت تتكيف جيدًا مع الظروف القاسية بشكل لا يصدق تطورت إلى تلك الحيوانات المشعرة التي نعرفها ونحبها. ثم انتشرت غربًا عبر أوراسيا وشرقًا إلى أمريكا الشمالية.
وبالرغم من أن الأعمال الفنية للماموث الصوفي تضعه في بيئة ثلجية قاسية. إلا أن تلك الحيوانات كانت تعيش في مناظر طبيعية غنية بالنباتات، بعيدًا في الغالب عن الغطاء الثلجي العميق. وإلا فماذا كان عليهم أن يأكلوا!

الماموث الكولومبي – Mammuthus columbi
عاش الماموث الكولومبي في أمريكا الشمالية، من جنوب كندا إلى كوستاريكا. ولكن تحديد وقت ظهوره بالضبط على خط زمني أمر صعب. ويشير شكل أسنانه إلى أنه من نسل الماموث السهبي.
وبالرغم من ذلك، أظهرت دراسة أجريت على حفريات عمرها 13000 عام أن الماموث الكولومبي كان في الواقع نوعًا هجينًا. وكان نصف الحمض النووي الخاص به من الماموث السهبي ونصف الحمض النووي الخاص بالماموث الصوفي المبكر، والذي نشأ عن تهجين حدث قبل 400 ألف عام.
ومن الأمور الغريبة الأخرى أن أسنان الماموث الكولومبي تبدو متشابهة قبل وبعد حدث التهجين هذا. وهذا لغز كبير يحاول العلماء حله.
في المجمل، كان هناك حوالي 10 أنواع من الماموث التي جابت الكوكب قبل فترة طويلة من الأنواع الشهيرة التي ظهرت في العصر الجليدي والتي نعرفها باسم الماموث الصوفي.

هل كانت جميع حيوانات الماموث مشعرة؟
منذ حوالي 2.5 مليون سنة، في بداية عصر البليستوسين، بدأ مناخ الكوكب في البرودة، مما تسبب في تراجع الغابات وانتشار الموائل المفتوحة. وكانت بداية العصر الجليدي وكان على الحيوانات، بما في ذلك الماموث، التكيف من أجل البقاء.
ولكن الإجابة بشكل قاطع عما إذا كان الماموث مشعرًا دائمًا أم أنه كان تكيفًا مع العصر الجليدي ليس بالأمر السهل لأن أدلتنا محدودة.
ويقول أدريان: “لدينا أنسجة ناعمة محفوظة من الماموث الصوفي من سيبيريا وألاسكا فقط، وهناك أيضًا كمية صغيرة من الأنسجة الرخوة من الماموث الكولومبي – له معطف مشعر إلى حد ما، لكن لا يمكننا تحديد الكمية أو الكثافة”.
إقرأ أيضًا:
من يملك بابا نويل؟.. قصة أكبر معركة لحقوق الملكية الفكرية في التاريخ

في عام 2021، تعاون أدريان مع فريق من الباحثين الذين استخرجوا الحمض النووي من سن ماموث صوفي عمره 700 ألف عام وسن ماموث سهبي عمره 1.2 مليون عام. وجد الخبراء أن الجينات التي يمكن أن تساعد الحيوان على البقاء على قيد الحياة في الدائرة القطبية الشمالية – مثل (الشعر الطويل والرواسب الدهنية) كانت موجودة في الحمض النووي للماموث السهبي الأقدم.
ويقول أدريان الخبير بمتحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا: “باستخدام الحمض النووي، يمكننا أن نرى أن الماموث السهبي كان بالفعل متكيفًا تمامًا مع البرد في فسيولوجيته. ثم دفعه الماموث الصوفي إلى أقصى حد من حيث التكيف مع تلك البيئة.”
ولكن لا يمكننا أن نزعم أن أنواع الماموث الأقدم التي عاشت في بيئات أكثر دفئًا كانت صلعاء تمامًا. إذا نظرت إلى الأفيال الآسيوية الحديثة التي تعيش في المناطق الاستوائية، فسترى أنها مغطاة بشعر خفيف. ومن الممكن أن يكون الماموث المبكر في إفريقيا كذلك أيضًا.