في وقتٍ أصبح فيه تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا” جزءًا يوميًا لا يتجزأ من حياة الملايين حول العالم، تتصاعد التساؤلات حول الوجه الخفي لهذا الاستخدام المتكرر، وما يترتّب عليه من تأثيرات نفسية وجسدية قد لا تُلاحظ إلا بعد فوات الأوان.
فبين لحظة إعجاب بصورة، أو مقارنة حياة المستخدمين بحياة الآخرين، يتعرض الدماغ لضغط مستمر، يصفه أطباء نفسيون بأنه “تغذية راجعة دائمة وغير واقعية”، تجعل الفرد أكثر عرضة لمشكلات تتراوح بين القلق واضطرابات النوم، وحتى الاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس.
ظاهرة الإدمان الصامت
تشير دراسات حديثة نشرتها جامعة هارفارد إلى أن استخدام مواقع مثل إنستجرام وتيك توك وفيسبوك يحفّز إفراز الدوبامين في المخ، وهو نفس الهرمون المرتبط بالمكافأة في حالات الإدمان، ما يعني أن الدماغ يبدأ في الربط بين السوشيال ميديا والشعور المؤقت بالسعادة، ويطالب بجرعات متكررة منها.
تقول الدكتورة ميّ عبد الغني، استشارية الطب النفسي بجامعة القاهرة، في تصريح سابق: “السوشيال ميديا مصممة على هندسة السلوك، فهي تُغذّي الرغبة في القبول الاجتماعي والمقارنة، وتزيد من التوتر لدى المراهقين والشباب بشكل خاص. نرى حالات يومية من اضطرابات القلق الاجتماعي والاكتئاب المرتبط باستخدام المنصات الرقمية.”
أرقام مقلقة عالميًا
- 40% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا أفادوا بأن السوشيال ميديا تؤثر سلبًا على صحتهم النفسية، بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية.
- مستخدمو السوشيال ميديا لأكثر من 3 ساعات يوميًا معرضون للإصابة بأعراض الاكتئاب بنسبة 60% أعلى من غيرهم.
- نحو 1 من كل 4 مراهقين يعاني من اضطراب في النوم بسبب استخدام الهاتف قبل النوم.
أثر السوشيال ميديا على جودة النوم والتركيز
استخدام الهواتف المحمولة قبل النوم يُعد من أبرز مسببات اضطراب الساعة البيولوجية، ما يؤدي إلى صعوبة في النوم والأرق والنعاس النهاري، وهو ما ينعكس بدوره على التركيز والتحصيل الدراسي أو المهني.
يضيف الدكتور هاني شاكر، أخصائي طب النوم:
“الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يمنع إفراز هرمون الميلاتونين الطبيعي، ويخلق نشاطًا في المخ لا يتوافق مع الدخول في النوم. النوم الجيد هو أول ضحايا الإدمان الرقمي.”
تجارب من الواقع
تقول نورا (21 سنة)، طالبة جامعية، إنها اعتادت تصفح إنستجرام فور الاستيقاظ وقبل النوم:
“كنت أظن أني أتابع الموضة والمحتوى الخفيف، لكن مع الوقت بدأت أشعر بالنقص، وأقارن نفسي بالآخرين، خصوصًا مع صور السفر والنجاحات. شعرت أن حياتي غير كافية.”
اضطرت نورا للذهاب إلى طبيب نفسي، وتبيّن أنها تعاني من أعراض اكتئابية خفيفة ناتجة عن المقارنات الدائمة، وبدأت منذ شهور خطة لـ”الديتوكس الرقمي” عبر تقليل وقت الشاشة وتغيير مصادر المحتوى.
هل هناك وقت “آمن” للشاشات
وفق توصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال:
- لا يُنصح للأطفال دون عمر السنتين باستخدام الشاشات نهائيًا.
- من سن 2 إلى 5 سنوات: ساعة واحدة يوميًا تحت إشراف.
- من سن 6 سنوات وأكثر: لا يزيد الوقت اليومي عن 2 إلى 3 ساعات، مع تخصيص أوقات “خالية من الشاشات”، خاصة قبل النوم.
كيف تحمي صحتك النفسية من السوشيال ميديا؟
- استخدم تطبيقات تقيس وقت الشاشة وتُنبهك عند تجاوزه.
- خصّص “ساعة بلا هاتف” يوميًا، ويفضّل أن تكون قبل النوم.
- تابع محتوى واقعي وإيجابي، وقلّل من متابعة المؤثرين غير الحقيقيين.
- مارس نشاطات حقيقية خارج الشاشة (رياضة، قراءة، لقاءات اجتماعية).
- لا تقارن نفسك بمن تتابعهم… فمعظم ما تراه هو “نصف الحقيقة”.
لم تعد السوشيال ميديا مجرّد أداة ترفيه، بل تحوّلت إلى ساحة تتداخل فيها المعايير النفسية والاجتماعية بشكل يومي. وبين الانبهار بالصورة الجميلة والسرد المثير، يظل التحدي الأكبر في الحفاظ على السلام النفسي الداخلي، وسط هذا الضجيج الرقمي المستمر.
تابع ايضًا…هل المشروبات الغازية “الدايت” آمنة فعلاً؟ العلم يجيب..