تحظى جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الخليج باهتمام كبير، حيث يصل الرئيس الأمريكي إلى العاصمة السعودية الرياض، غدًا الاثنين، في مستهل جولة رسمية تشمل المملكة العربية السعودية، قطر، والإمارات العربية المتحدة، وتُعدّ أول زيارة خارجية له منذ فوزه بولاية رئاسية جديدة، وتأتي الزيارة وسط توترات إقليمية ودولية متصاعدة، ما يمنحها طابعًا استثنائيًا من حيث التوقيت والأبعاد الجيوسياسية.
ترامب في الخليج.. زيارة بأبعاد استراتيجية
تحط الطائرة الرئاسية الأميركية في الرياض حاملة ترامب إلى قلب الخليج، في زيارة تُوصَف بأنها مؤشر على الأهمية المتزايدة التي توليها الإدارة الأميركية لعلاقاتها مع شركائها الخليجيين. وتسلّط الجولة الضوء على الموقع الجيوسياسي المتقدم الذي باتت تتمتع به دول الخليج، لا سيما السعودية، التي تُعد لاعبًا محوريًا في استقرار المنطقة، إضافة إلى ثقلها الاقتصادي وبرامجها الإصلاحية الطموحة.

أجندة ثقيلة من غزة إلى النفط
تتضمن أجندة ترامب في الخليج خلال الزيارة ملفات شائكة، تتصدرها محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، في وقت لا تزال فيه العمليات العسكرية الإسرائيلية تتوسع رغم الضغوط الأميركية. وتسعى واشنطن، بحسب مصادر دبلوماسية، إلى التوصل إلى هدنة فورية، وسط انقسامات واضحة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول التعاطي مع الملف الفلسطيني والإيراني.
كما سيكون ملف النفط حاضراً بقوة، في ظل مطالبات أميركية متكررة لدول “أوبك” بزيادة الإنتاج لتخفيف الضغط على المستهلك الأميركي. وتؤكد الخارجية الأميركية أن المباحثات ستتناول أيضًا ملفات الأمن والدفاع، والتعاون في مجال الطاقة، والاستثمار، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي.
الاستثمار والذكاء الاصطناعي على الطاولة
في موازاة اللقاءات السياسية لجولة ترامب في الخليج، تستضيف الرياض منتدى استثماريًا سعوديًا أميركيًا في 13 مايو، بمشاركة كبار التنفيذيين من وول ستريت ووادي السيليكون، بينهم لاري فينك (بلاك روك)، وأليكس كارب (بالانتير)، ورؤساء كبرى الشركات مثل “ألفابت” و”آي بي إم” و”كوالكوم”. ويهدف المنتدى إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الطرفين، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، حيث تستثمر السعودية والإمارات بشكل متسارع لبناء بنية تحتية متقدمة في هذا المجال.
الملف النووي ومقايضات التطبيع
فيما لا تزال المفاوضات مع إيران قائمة حول برنامجها النووي، تسعى السعودية خلال جولة ترامب في الخليج إلى الحصول على دعم أميركي لتطوير برنامج نووي مدني خاص بها، وتشير تقارير إلى أن شروط الدعم الأميركي التي كانت تربطه بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل قد تشهد تغييراً خلال الزيارة.
وكان وزير الطاقة الأميركي قد لمح الشهر الماضي إلى اقتراب الطرفين من التوصل لاتفاق في هذا الشأن، مع الإشارة إلى أن الإعلان الرسمي سيصدر عن الرئيس ترامب.
قمة خليجية مرتقبة
من المنتظر أن يعقد قادة دول الخليج قمة مع الرئيس الأميركي في الرياض، حيث سيعرض ترامب رؤيته للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وخطته لإعادة الانخراط الفاعل في ملفات المنطقة. وتشمل الملفات المطروحة: تثبيت الهدنة في اليمن، تعزيز وحدة سوريا، الأزمة الأوكرانية، ومستقبل الصراع في غزة، إضافة إلى سبل التصدي للنفوذين الروسي والصيني.
خلافات مع نتنياهو في الخلفية
وفي خلفية المشهد، تبرز الخلافات المتصاعدة بين ترامب ونتنياهو، والتي أفردت لها وسائل الإعلام الأميركية مساحة واسعة، مشيرة إلى أن العلاقة بين الحليفين تشهد توتراً لافتاً. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن تجاهل ترامب لإسرائيل في هذه الجولة يعكس حجم السخط الذي يشعر به تجاه نتنياهو، خصوصاً بعد اختلافهما في ملفات حيوية، مثل إيران وغزة.
وكان ترامب قد أطلق، الأسبوع الماضي، مبادرة هدنة مع الحوثيين في اليمن دون تنسيق مسبق مع إسرائيل، ما أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية، لا سيما في أعقاب استهداف مطار تل أبيب بصاروخ حوثي وردّ إسرائيل العسكري على مواقع في اليمن.
فرصة لإعادة التموضع الأميركي في المنطقة
يرى خبراء أن جولة ترامب في الخليج تمثل فرصة لإعادة ضبط العلاقات الأميركية – الخليجية، خاصة بعد فتور شابها خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن. ويعتبر الباحث في المجلس الأطلسي، توم واريك، أن الزيارة تفتح المجال أمام تفاهمات جديدة بشأن قضايا الأمن الإقليمي وإعادة إعمار غزة، فيما يشير ريتشارد ويتز، من معهد هدسون، إلى أنها “تعكس إدراكًا أميركيًا متناميًا للدور المحوري الذي تلعبه الرياض على المستويين الإقليمي والدولي”.
وبينما يترقب العالم ما ستسفر عنه جولة ترامب في الخليج، تبقى التحديات أكبر من أن تُحل في لقاءات قصيرة، لكنها ربما تشكل الخطوة الأولى نحو تحولات أوسع في مشهد الشرق الأوسط المتقلب.
اقرأ أيضًا:
الهند وباكستان على أعتاب سلام غير متوقع.. اتفاق يوقف قرع طبول حرب نووية