في مشهد غير مألوف بين ترامب وإيلون ماسك، تصدرت منصات الإعلام ومواقع التواصل مواجهة علنية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، خلاف بدا في ظاهره نزاعًا حول السيارات الكهربائية، لكنه سرعان ما كشف عن صراع أعمق، يتمحور حول مستقبل وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” وهيمنة القطاع الخاص على الفضاء.
خلاف ترامب وإيلون ماسك.. تصدع في صفوف المحافظين
فاز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية بدعم تحالف واسع شمل الجمهوريين التقليديين، إلى جانب شرائح من الشباب والأقليات ومناهضي التيارات التقدمية. غير أن هذا التحالف بدأ يشهد تصدعات داخلية، كان أبرزها القطيعة العلنية مع ماسك، أحد أبرز رجال الأعمال الداعمين لترامب سابقاً.

فوفقاً لتقرير نشرته نيويورك تايمز، تسببت سياسات ترامب في ملفات مثل الهجرة، والتعليم، والطاقة المتجددة، بقلق متزايد بين بعض حلفائه. ويبدو أن انسحاب ماسك من هذا التحالف لم يكن مجرد خلاف شخصي، بل مؤشر على أزمة أعمق تعصف باليمين الأميركي.
الشرارة الأولى: أزمة الحوافز الكهربائية
بدأت المواجهة بعد أن أقرت إدارة ترامب مشروع قانون يُلغي أو يقلّص الحوافز الضريبية المرتبطة بالسيارات الكهربائية، إضافة إلى تقليص التفويض الفيدرالي الذي كان يُلزم الشركات بإنتاج نسبة معينة من هذه السيارات.
شركة “تسلا”، التي تُعد المستفيد الأكبر من هذه الحوافز، رأت في الخطوة تهديدًا مباشرًا لمستقبلها. وجاء رد ماسك سريعًا، عبر تغريدات لاذعة، وصف فيها القرار بأنه “نكوص عن المستقبل” و”خضوع لضغوط لوبيات النفط والسيارات التقليدية”، لكن هذه المواجهة لم تكن سوى قمة جبل الجليد.
العمق الخفي: معركة النفوذ داخل وكالة “ناسا”
التوتر تصاعد حين طرحت إدارة ترامب اسم رجل الأعمال ورائد الفضاء الخاص جارد إسحقمان لتولي رئاسة وكالة “ناسا”. إسحقمان، الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع ماسك، سبق له أن شارك في مهام فضائية عبر شركة SpaceX، ما كان سيمنح ماسك نفوذًا غير مسبوق داخل الوكالة.
إلا أن ترشيح إسحقمان سُحب فجأة، وسط حديث عن “الحفاظ على الحياد المؤسسي” وتبرعاته السابقة للديمقراطيين. ماسك، بدوره، لم يتردد في التعبير عن غضبه، واصفًا القرار بـ”الخطأ الاستراتيجي” الذي “يضر بمصالح أميركا الفضائية”، ما أشعل موجة جديدة من التصريحات المتبادلة بينه وبين ترامب، وصلت إلى حد الإهانات الشخصية.
الفضاء.. ساحة الصراع الكبرى في القرن الحادي والعشرين
هذه المعركة بين ترامب وإيلون ماسك ليست مجرد نزاع شخصي أو سياسي. فبحسب تقديرات مؤسسة Morgan Stanley، من المتوقع أن يتجاوز حجم قطاع الفضاء العالمي تريليون دولار بحلول عام 2040. ومن يتحكم في المدار، يملك مفتاح المستقبل في مجالات الأمن القومي، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي.
وتُعد SpaceX، بقيادة ماسك، العمود الفقري للبنية التحتية الفضائية الأميركية حالياً، في ظل تعثر مشاريع شركات منافسة مثل Boeing وBlue Origin. من هنا، فإن أي تغيير في قيادة “ناسا” أو موازنتها يترجم مباشرة إلى إعادة توزيع للنفوذ في الفضاء.
موازنة “ناسا”.. ساحة مواجهة جديدة بين ترامب وإيلون ماسك
في مشروع الموازنة الجديد، اقترحت إدارة ترامب خفضاً كبيراً في ميزانية “ناسا”، يشمل إلغاء عشرات المشاريع العلمية وتسريح آلاف الموظفين، مع زيادة دور القطاع الخاص. لكن المفارقة أن هذا التوجه لم يترافق مع تعزيز نفوذ ماسك أو SpaceX، بل جاء ضمن محاولات لتقليص سيطرته، ما ساعد على تفاقم الخلاف بين ترامب وإيلون ماسك.

هذا التناقض فجّر غضب الأوساط العلمية، وأربك العلاقة بين الحكومة وشركة ماسك، التي تمثل حالياً الشريك الأساسي في برنامج “أرتميس” للعودة إلى القمر.
عودة العجز المالي.. وضغوط السياسة والاقتصاد
تأتي هذه المواجهة في لحظة حرجة، مع عودة ملف العجز المالي إلى صدارة الاهتمام في واشنطن. فقد تجاوز الدين الأميركي 100% من الناتج المحلي، فيما وصلت مدفوعات الفائدة إلى نحو خمس الإيرادات الفيدرالية.
وأمام هذه الضغوط، أصبحت مشاريع الإنفاق الكبرى أكثر تعقيداً، مما يقلّص قدرة الإدارة على تمرير سياسات توسعية، بما فيها دعم الطاقة النظيفة أو تعزيز تمويل “ناسا”.
رغم أن العناوين الأولية أشارت إلى خلاف بين ترامب وإيلون ماسك حول السيارات الكهربائية، فإن جوهر الصراع بين ترامب وماسك يتجاوز ذلك بكثير. إنها معركة على من يقود “ناسا”، ومن يحدد أولويات أميركا في الفضاء، ومن يملك الكلمة الأخيرة في أخطر استثمار استراتيجي في القرن الحادي والعشرين، في النهاية، إنها مواجهة بين رأس المال… ورأس الدولة.
اقرأ أيضًا: