كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية Stress and Health عن وسيلة جديدة لتحديد الأطفال المصابين بأمراض مزمنة والذين يُواجهون خطرًا أكبر للإصابة بالقلق أو الاكتئاب أو اضطرابات سلوكية، وذلك من خلال قياس مستويات الكورتيزول هرمون التوتر في خصلة من شعرهم.

طفل من كل أربعة يُعاني من مرض مزمن
أظهرت الدراسة، التي أجراها باحثون في جامعة واترلو الكندية، أن واحدًا من كل أربعة أطفال حول العالم يعاني من مرض جسدي مزمن، مثل السكري من النوع الأول، أو التهاب المفاصل لدى الأطفال، أو الصرع، وأشارت التقديرات إلى أن نسبة انتشار هذه الأمراض بين الأطفال تتراوح بين 10% و30%.
العيش مع مرض مزمن يفرض تحديات يومية متعددة، منها تناول الأدوية باستمرار، التغيب المتكرر عن المدرسة، وتقييد الأنشطة الاجتماعية، مما يؤدي إلى أعباء نفسية وعاطفية كبيرة.
قياس التوتر من خلال الشعر
تعتمد الدراسة على تحليل مستويات الكورتيزول في الشعر، وهي وسيلة غير جراحية تقيس التوتر طويل الأمد، فالكورتيزول، الذي تنتجه الغدد الكظرية، يتراكم تدريجيًا في الشعر النامي، ما يسمح بتكوين “سجل زمني” لمستويات التوتر خلال أشهر ماضية.
وأوضح الباحثون أن شريحة شعر بطول 1 سم تمثل معدل الكورتيزول خلال شهر، فيما تمثل شريحة بطول 3 سم ثلاثة أشهر، وتمثل هذه الطريقة تطورًا في قياس التوتر مقارنة بالقياسات الفورية في الدم أو اللعاب، التي ترصد التغيرات خلال دقائق أو ساعات فقط.
أنماط مختلفة من التوتر وتأثيرها النفسي
قسّم الباحثون الأطفال المشاركين في الدراسة إلى ثلاث مجموعات بناءً على أنماط إفراز الكورتيزول:
-
فرط إفراز الكورتيزول (68%): ارتفاع مستمر في الهرمون.
-
نقص إفراز الكورتيزول (9%): انخفاض مستمر.
-
فرط إلى نقص (23%): بداية بارتفاع ثم انخفاض لاحق.
وكشفت النتائج أن الأطفال في المجموعة الأخيرة الذين شهدوا انخفاضًا تدريجيًا في مستويات التوتر أظهروا أعراضًا نفسية أقل مقارنةً بالمجموعة التي ظلت تعاني من ارتفاع مستمر في الكورتيزول، أما مجموعة نقص الإفراز، فلم تُظهر اختلافًا ملحوظًا في الأعراض النفسية مقارنةً بمجموعة فرط الإفراز.
اقرأ أيضًا:
مكملات الكاكاو قد تُبطئ الشيخوخة بتقليل الالتهاب
أداة للتشخيص المبكر والتدخل الوقائي
صرّحت إيما ليتلر، الباحثة الرئيسية في الدراسة، بأن ارتفاع التوتر المزمن يمكن أن يُستخدم كمؤشر حيوي لتحديد الأطفال المعرضين بشكل أكبر لمشاكل الصحة النفسية، وهو ما يتيح التدخل المبكر وتوفير دعم نفسي مخصص.
وأضاف الدكتور مارك فيرو، الباحث المشارك، أن الكورتيزول في الشعر يُعد “أداة فحص غير جراحية وسهلة التطبيق”، يمكن استخدامها مستقبلًا لتقييم فعالية العلاجات أو برامج الدعم النفسي، مشيرًا إلى أن التشخيص المبكر يمكن أن يُقلّل من تطور المشكلات السلوكية والعاطفية.
اليقظة الذهنية كعلاج محتمل
أوصت الدراسة كذلك بضرورة تبنّي تدخلات قائمة على اليقظة الذهنية (Mindfulness)، التي أظهرت فعالية في خفض مستويات الكورتيزول وتحسين الصحة النفسية لدى الأطفال.
خصلة شعر قد تنقذ طفولة
تُظهر هذه الدراسة أهمية النظر إلى التوتر المزمن كعامل رئيسي في تطور الاضطرابات النفسية لدى الأطفال المصابين بأمراض مزمنة، وتفتح الباب أمام استخدام وسائل مبتكرة، مثل تحليل الشعر، كأداة مبكرة للتشخيص وتقديم الدعم النفسي المستهدف في الوقت المناسب.