نعرف جميعًا أغنية الأطفال الشهيرة التي تقول إن “طفل يوم الاثنين جميل الوجه”، في حين يُوصف “طفل يوم الثلاثاء بأنه مليء بالنعمة”.

ولكن، وللأسف، لا تحظى كل أيام الأسبوع بالصفات الإيجابية ذاتها، إذ تشير الأغنية إلى أن من يُولد يوم الأربعاء “مليء بالشقاء”، بينما يُقال عن “طفل الخميس” إن أمامه “الكثير ليقطعه”.

«طفل الاثنين جميل» ماذا يخبرك يوم ميلادك

في المقابل، تُثني الأبيات على من وُلد يوم الجمعة، بوصفه “محبًا وكريمًا”، أما طفل السبت، فـ”يعمل بجد لكسب عيشه”، ويقال كذلك إنه “جميل، ومرح، وطيب، ومبهج”.

ولطالما كانت هذه الأغنية الطفولية – التي تعود إلى القرن التاسع عشر في إنجلترا – محل جدل وتساؤل حول ما إذا كانت تحتوي على أي قدر من الحقيقة.

لكن الآن، تكشف دراسة حديثة جانبًا من هذا الغموض، مسلطة الضوء على العلاقة بين يوم الميلاد وسمات الشخصية. فقد أجرى باحثون من جامعة يورك البريطانية تحليلًا لبيانات أكثر من ألفي طفل، في محاولة لاستكشاف ما إذا كان ليوم الميلاد تأثير فعلي على مستقبل الطفل أو صفاته الشخصية.

ولحسن حظ من وُلدوا يوم الأربعاء، جاءت نتائج الدراسة لتبرئهم من وصمة “الشقاء”، التي لطالما ارتبطت بهم بحسب الأغنية الشهيرة. إذ أكّد الباحثون أن هذه الأبيات ليست إلا “متعة بريئة” ولا تستند إلى أي أساس علمي.

أغنية “طفل الاثنين”

تجدر الإشارة إلى أن أصل هذه الأغنية، المعروفة باسم “طفل الاثنين“، يعود إلى عام 1836 على الأقل، عندما نُشرت لأول مرة في كتاب “تقاليد ديفونشاير” للكاتبة الإنجليزية آنا إليزا براي.

ومنذ ذلك الحين، ترسّخت هذه الأبيات في الذاكرة الشعبية، حتى بات من الشائع ربط سمات الأطفال بيوم ولادتهم، سواء إيجابيًا أو سلبيًا.

وقد لاحظ الباحثون أن هذه الأغنية تركت أثرًا نفسيًا لدى كثيرين؛ إذ يُعتقد أن الطفل الذي يُقال له إنه “جميل الوجه” – مثل من وُلد يوم الاثنين – قد يكتسب ثقة أكبر بنفسه، ويُصبح أكثر جاذبية في نظر الآخرين.

بينما قد يشعر من يُولد يوم الأربعاء، على سبيل المثال، بالحزن أو يميل إلى تفسير مشاعره السلبية باعتبارها “دليلًا على شقائه”، وفقًا لوصف الأغنية.

وذهب الباحثون إلى أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن بعض الآباء الذين يعرفون الأغنية قد يتصرفون بناءً على ما تُمليه كلماتها؛ فقد يُسجلون أبناءهم من مواليد الخميس – الذين يُوصفون بأنهم “مملوؤون بالرشاقة” – في دروس للرقص أو اللياقة البدنية، مثل الباليه، مما قد يُؤثر بالفعل على نموهم الجسدي ومهاراتهم الحركية.

وفي سبيل اختبار هذه الفرضيات، حللت الدراسة بيانات مأخوذة من مشروع بحثي كبير شمل أكثر من 1100 أسرة لديها توائم في إنجلترا وويلز.

وقد تم تتبّع تطور الأطفال من سن الخامسة وحتى الثامنة عشرة، مع تسجيل يوم ولادتهم، ومقارنة ذلك بسماتهم الشخصية المرتبطة بالأوصاف الواردة في أغنية “طفل الاثنين”.

على سبيل المثال، اعتُبر السلوك الاجتماعي الإيجابي مؤشرًا على “الحب والعطاء”، في حين ارتبط الاجتهاد والمثابرة بفكرة “العمل الجاد لكسب الرزق”. كما جرى تقييم جاذبية الأطفال من قِبل طرف ثالث – شخصية مستقلة – عندما بلغوا سن الخامسة، والعاشرة، والثانية عشرة، والثامنة عشرة، وذلك لقياس مدى “جمال الوجه”.

غير أن نتائج الدراسة كانت قاطعة: لم يجد الباحثون أي علاقة بين يوم ولادة الطفل وبين شخصيته أو مظهره أو نجاحه في المستقبل. فلا يوجد ما يُثبت أن مواليد الأربعاء يعانون أكثر، أو أن مواليد الاثنين أكثر جاذبية من غيرهم.

وبدلاً من ذلك، أكّدت الدراسة أن العوامل الحقيقية المؤثرة في تطور شخصية الطفل ومستقبله تشمل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وجنس الطفل، ووزنه عند الولادة، وغيرها من المؤشرات الواقعية.

اقرا ايضا:

«لعبة العظام» دراسة تكشف برامج الكلاب التلفزيونية المفضلة

دراسة: علاقة يوم ميلادك بمسقبلك

وصرّحت الأستاذة صوفي فون ستام، المؤلفة الرئيسية للدراسة من قسم التعليم بجامعة يورك، قائلةً: “إن أغاني الأطفال مثل (طفل الاثنين) ما هي إلا متعة بريئة لا تُشكل ضررًا على الأطفال.

في ظل تزايد قلق الآباء بشأن الرسائل التي يتلقاها أطفالهم، تُطمئننا نتائجنا بأن هذه الأبيات لا تؤثر على تطورهم النفسي أو سلوكهم على المدى البعيد”.

وأضافت: “صحيح أن بعض الحكايات والأغاني القديمة قد لا تتماشى مع القيم الحديثة، إلا أن بحثنا يُشير إلى أن تأثيرها الفعلي محدود، بل قد يكون إيجابيًا في بعض النواحي؛ إذ تساعد مثل هذه الأغاني في تعزيز اللغة والمفردات لدى الأطفال، وتحفزهم على القراءة والكتابة، لذلك ينبغي تشجيع الآباء على الاستمرار في مشاركتها مع أبنائهم”.

وأقر الفريق البحثي بأن دراستهم لا تشمل جميع التأويلات الممكنة للأغنية؛ فعلى سبيل المثال، فُسّرت عبارة “مليء بالنعمة” على أنها تشير إلى الرشاقة الجسدية، بينما قد يُقصد بها أيضًا اللطف والتهذيب في السلوك.

كما أن تعبير “أمامه الكثير ليقطعه” قد يدل على طريق طويل نحو النجاح، أو ربما طريق صعب مليء بالتحديات.

ومن النقاط التي أشار إليها الباحثون أيضًا أن الدراسة لم تتضمن بيانات عن مدى معرفة العائلات بأغنية “طفل الاثنين” أو مدى تفاعلهم معها، مما يعني أن من الصعب التأكد مما إذا كان للوعي بهذه الأغنية أثر على تقييمات الأطفال أو سلوكهم، كما قال الباحثون في ختام دراستهم المنشورة في مجلة “الشخصية”.