بدأت آلاف العائلات الفلسطينية النازحة صباح اليوم (الجمعة) العودة إلى منازلها المهدمة في قطاع غزة، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس” حيز التنفيذ، في خطوة وصفت بأنها التحول الأبرز منذ اندلاع الحرب قبل عامين.

يأتي ذلك تزامناً مع بدء القوات الإسرائيلية انسحابها من بعض مناطق القطاع، وإقرار الحكومة الإسرائيلية الاتفاق الذي يُعتبر المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب.

عودة النازحين إلى مدينة غزة بعد عامين من الحرب

تحرّكت حشود ضخمة من الفلسطينيين شمالاً باتجاه مدينة غزة، أكبر مناطق القطاع، والتي كانت الهدف الرئيسي للهجمات الإسرائيلية الأخيرة.

وعلى الرغم من حالة الدمار الواسعة، شهدت الطرق المؤدية إلى المدينة تدفق مئات العائدين سيراً على الأقدام، في مشهد إنساني مؤثر يعكس حجم المعاناة والأمل في آنٍ واحد.

وقال شهود عيان إن فرق الإنقاذ الفلسطينية بدأت مهامها في المناطق التي لم تتمكن من الوصول إليها سابقاً، مؤكدين انتشال ما لا يقل عن 10 جثث من تحت الأنقاض في مدينة غزة.

الجيش الإسرائيلي يعلن بدء تنفيذ الاتفاق

أكد الجيش الإسرائيلي دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بالتوقيت المحلي، بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية عليه في الساعات الأولى من صباح الجمعة.

وينص الاتفاق على انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية خلال 24 ساعة من بعض المناطق الحضرية، تمهيداً لوقف شامل للأعمال القتالية في القطاع.

وقالت مصادر إسرائيلية إن “الاتفاق يشمل الإفراج عن 20 رهينة إسرائيلية خلال 72 ساعة، مقابل إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام الطويلة، إضافة إلى 1700 محتجز آخرين في غزة”.

المرحلة الأولى من خطة ترامب| انسحاب جزئي وتدفق المساعدات

تشكل هذه الخطوة المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين، والتي تتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الرئيسية في غزة مع استمرار سيطرتها على نصف أراضي القطاع تقريباً.

ومع بدء سريان الاتفاق، تدفقت شاحنات المساعدات الغذائية والطبية إلى القطاع، عبر معبر رفح وكرم أبو سالم، لتوفير الإغاثة لعشرات الآلاف من العائلات التي تعيش في خيام منذ تدمير منازلها.

نتنياهو: سنواصل نزع سلاح غزة «بالطريقة السهلة أو الصعبة»

وفي خطاب متلفز، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن القوات الإسرائيلية “ستبقى في غزة لضمان نزع سلاح القطاع وتجريد حركة حماس من أسلحتها”، مشيراً إلى أن تنفيذ الاتفاق سيتم على مراحل.

وأضاف نتنياهو: «إذا تحقق ذلك بالطريقة السهلة فسيكون جيداً، وإن لم يتحقق، فسيكون بالطريقة الصعبة».

وفي منشور على حسابه بمنصة “إكس”، أعلن نتنياهو أن “الحكومة وافقت الآن على إطار العمل للإفراج عن جميع الرهائن، سواء الأحياء أو المتوفين”.

تحركات ميدانية في غزة وسط حذر وتوتر

ذكرت مصادر محلية أن بعض القوات الإسرائيلية انسحبت من المناطق الشرقية لمدينة خان يونس، بينما سُمِع دوي قصف بالدبابات في محيط المنطقة.

وفي مخيم النصيرات وسط القطاع، شوهدت قوات إسرائيلية تفكك مواقعها وتتجه نحو الحدود الشرقية، في حين بقيت وحدات أخرى في مواقعها مع استمرار سماع إطلاق نار متقطع.

وشهد طريق الساحل الممتد إلى مدينة غزة انسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية، وسط تجمعات كبيرة من السكان الذين ينتظرون العودة إلى منازلهم، رغم استمرار مخاوف من خروقات محدودة للاتفاق.

ضمانات بإنهاء الحرب وتبادل الأسرى

قال خليل الحية، رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة، إن الحركة تلقت ضمانات أميركية ودولية بانتهاء الحرب بشكل تام، مضيفاً أن الوسطاء أكدوا التزام جميع الأطراف بوقف الأعمال القتالية، وأشار إلى أن عملية تبادل الأسرى والرهائن ستتم تحت إشراف مباشر من الولايات المتحدة ومصر وقطر لضمان التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق.

وبحسب التقديرات الإسرائيلية، لا يزال 20 رهينة على قيد الحياة داخل غزة، فيما يُعتقد أن 26 قُتلوا خلال الحرب، ولا يزال مصير اثنين مجهولاً.

اقرأ أيضًا:

تقود مسار السلام العالمي.. العالم يتغزل في مصر بعد إنهاء حرب غزة

تحديات أمام التنفيذ الكامل للاتفاق

رغم الترحيب الدولي الواسع بالاتفاق، ما تزال عدة عقبات قائمة أمام تنفيذه بالكامل، فلم تُنشر بعد قائمة أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل، كما لم يُحسم بعد مصير إدارة قطاع غزة بعد الحرب، ولا مستقبل حركة “حماس” التي ترفض حتى الآن التخلي عن سلاحها.

وأعلنت وزارة الداخلية في غزة – التابعة لحماس – أنها بدأت نشر عناصر الشرطة في المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية، “لحماية الممتلكات العامة والخاصة وخدمة المواطنين”، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت عناصر حماس المسلحة ستعود للانتشار في الشوارع، وهي خطوة قد تعتبرها إسرائيل استفزازاً خطيراً.

نتنياهو يواجه ضغوطاً داخلية وترامب يستعد لزيارة المنطقة

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطاً من داخل ائتلافه الحاكم، إذ يعارض بعض شركائه التوصل إلى أي اتفاق مع “حماس”.

في المقابل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيزور المنطقة الأحد المقبل، في زيارة قد تتضمن حضور مراسم توقيع الاتفاق في مصر، كما تلقى دعوة لإلقاء كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي.

ويرى مراقبون أن الاتفاق يمثل إنجازاً دبلوماسياً مهماً لإدارة ترامب، بعد أشهر من الجهود المكثفة التي قادتها واشنطن بالتعاون مع القاهرة والدوحة.

أكثر من 67 ألف شهيد فلسطيني حصيلة حرب غزة

تقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية خلال العامين الماضيين أسفرت عن استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والنازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة.

ويأمل سكان القطاع أن يشكّل اتفاق شرم الشيخ ووقف إطلاق النار نقطة انطلاق نحو إعادة الإعمار واستعادة الحياة الطبيعية بعد حرب مدمّرة قلبت المشهد الإقليمي رأساً على عقب.