في خطوة وُصفت بأنها بداية جديدة في العلاقات الثنائية، أعلن مسؤولون قضائيون وأمنيون في لبنان وسوريا عن اتفاق لتشكيل لجنتين مختصتين لمعالجة ثلاثة ملفات شائكة بين البلدين: مصير السجناء السوريين في لبنان، والمواطنين اللبنانيين المفقودين في سوريا، إلى جانب ملف ترسيم الحدود غير المرسمة بين الجانبين.
ملفات حساسة على الطاولة
الاتفاق، الذي جاء خلال زيارة وفد سوري رسمي إلى العاصمة اللبنانية بيروت، يفتح الباب أمام نقاش جدي حول مصير نحو 2000 سجين سوري في السجون اللبنانية، بينهم ما يقرب من 800 شخص يواجهون تهماً أمام القضاء العسكري اللبناني تتعلق بجرائم أمنية وإرهابية. هؤلاء الموقوفون كانوا قد ناشدوا أكثر من مرة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع التدخل لنقلهم إلى سوريا ومحاكمتهم هناك.

كما تضع اللجنتان على جدول أعمالهما ملفاً آخر شديد الحساسية، وهو المواطنون اللبنانيون المفقودون في سوريا منذ سنوات الحرب، إضافة إلى تسوية مسألة الحدود المشتركة غير المرسومة، التي كانت من أبرز نقاط الخلاف بين البلدين على مدى العقود الماضية.
زيارة سورية رفيعة المستوى إلى بيروت
الزيارة السورية، التي تعد الأولى منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، ضمّت كلاً من الوزيرين السابقين محمد طه الأحمد (مدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية) ومحمد يعقوب العمر (مسؤول الإدارة القنصلية)، إضافة إلى محمد رضا منذر جلخي، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرياً.
وقد استقبل نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري الوفد السوري في بيروت، حيث بحث الطرفان في سبل تعزيز التعاون القضائي والأمني، إضافة إلى قضايا النازحين السوريين في لبنان، مع التأكيد على ضرورة تسهيل عودتهم إلى بلادهم.
تصريحات لبنانية رسمية
أكد متري عقب الاجتماع أن النقاش تناول “القضايا المشتركة وسبل معالجتها بما يعزز الثقة والاحترام المتبادل والرغبة الصادقة في التعاون بين البلدين”. وأضاف أن الطرفين اتفقا على مراجعة الاتفاقيات اللبنانية السورية السابقة بهدف تحسينها وتطويرها، وفتح الباب أمام اتفاقات جديدة في المجالات الاقتصادية والأمنية.
موقف الإدارة السورية الجديدة
الرئيس السوري أحمد الشرع كان قد عبّر سابقاً عن رغبته في فتح صفحة جديدة مع لبنان، مؤكداً أن “دمشق لا تريد التحكم بلبنان”، وأن سوريا الجديدة تجاوزت الجرح الذي سببته اعتداءات سابقة من قبل حزب الله على أراضيها.
ويرى مراقبون أن الإدارة السورية الجديدة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إعادة بناء الثقة مع لبنان وإظهار استعدادها للتعاون في ملفات لطالما أثارت توتراً سياسياً وشعبياً.
مصادر قضائية وأمنية لبنانية رجّحت أن تمهّد هذه التطورات لزيارة مرتقبة لوزيري الخارجية والعدل السوريين إلى بيروت، رغم أنه لم يتم تحديد موعد رسمي بعد. ويرى متابعون أن هذه الزيارة، في حال تمت، قد تشكل انفراجة سياسية بين البلدين بعد عقود من العلاقات المتوترة.
يُذكر أن زيارة الوفد السوري كانت مقررة الأسبوع الماضي لكنها تأجلت لأسباب لم يُكشف عنها. ويُتوقع أن تشكل المرحلة المقبلة اختباراً جدياً لمدى قدرة اللجنتين المشتركتين على معالجة الملفات المعقدة، خصوصاً ملف المعتقلين والمفقودين، الذي ظل عالقاً لسنوات طويلة.
اقرأ أيضًا:
إيران ترد على تفعيل “آلية الزناد”.. رسالة مشتركة مع روسيا والصين
أهمية الاتفاق للبنان وسوريا
بالنسبة للبنان: قد يساهم في طي صفحة الخلافات القديمة، وإيجاد حلول لمسألة المفقودين والمعتقلين، فضلاً عن ضبط الحدود ومنع التهريب.

بالنسبة لسوريا: يمثّل فرصة لإعادة بناء صورتها كدولة منفتحة على التعاون مع جيرانها، وكسر عزلة سياسية امتدت لعقود.
الخطوة المشتركة بين بيروت ودمشق، عبر تشكيل لجنتين قضائية وحدودية، لا تقتصر على كونها إجراءً فنياً أو إدارياً، بل تحمل في طياتها دلالات سياسية أعمق. فإذا نجحت هذه المبادرة، قد نشهد بداية مرحلة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية، تفتح الباب أمام تسويات أوسع تشمل الملفات الأمنية والاقتصادية وحتى الدبلوماسية.
ويبقى السؤال: هل ستنجح اللجنتان في تجاوز العقبات التاريخية بين البلدين وفتح مسار تعاون حقيقي، أم ستظل هذه المبادرة رهينة الخلافات السياسية والمصالح المتشابكة؟