انتهت جولة جديدة من محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا في مدينة إسطنبول التركية دون تحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات، رغم ما وُصف بأنه “تركيز بنّاء” على ملف تبادل الأسرى، بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة.
محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا
وأكدت المصادر أن الوفدين ناقشا في الجولة الثانية من محادثات السلام، التي عقدت على ضفاف مضيق البوسفور، ترتيبات تبادل جديد للأسرى، وقضية الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا قسرًا إلى روسيا، دون الخوض في تفاصيل ترتبط بوقف الحرب أو التوصل إلى اتفاقات سياسية شاملة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيجيلي، إن الاجتماع “لم ينتهِ بشكل سلبي”، لكنه أقر بعدم تحقيق اختراق حقيقي على مستوى مسار محادثات السلام.
هجوم “جريء وغير مسبوق” داخل العمق الروسي
المحادثات جاءت بعد أقل من 24 ساعة على تنفيذ أوكرانيا ما وُصف بأنه أعنف وأجرأ هجوم جوي منذ اندلاع الحرب، استهدف قواعد عسكرية روسية في عمق سيبيريا باستخدام طائرات مسيّرة، في عملية تؤشر إلى نقلة نوعية في مسار الصراع.
ووفقاً لوكالة الاستخبارات الأوكرانية (SBU)، نجحت الضربات في تدمير ما لا يقل عن 13 طائرة حربية روسية، مما قد يترتب عليه خسائر تقدر بنحو 7 مليارات دولار، في حال تأكدت الأضرار التي لحقت بالبنية العسكرية الروسية.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد صرّح بأن العملية تمت بموافقته قبل 18 شهراً، مما يدل على مدى التخطيط والتنسيق الطويل للعملية التي اعتبرها مراقبون “واحدة من أكثر الضربات جرأة في تاريخ الحروب الحديثة”.
“حصان طروادة” أوكراني في سيبيريا
العملية اللافتة استهدفت خمس قواعد جوية روسية، من بينها قاعدة “بيلايا” الجوية قرب مدينة إيركوتسك، الواقعة على بُعد نحو 4000 كيلومتر من الجبهة الأمامية. وتُعد هذه القاعدة مركزاً رئيسياً للطائرات الاستراتيجية الروسية من طراز Tu-160 وTu-22M3، القادرة على حمل صواريخ كروز بعيدة المدى من طراز Kh-101 وKh-555.
المصادر الأمنية الأوكرانية أشارت إلى أن الطائرات المسيّرة، من نوع FPV زهيدة الثمن (تبلغ كلفة الواحدة منها نحو 1200 دولار فقط)، تم تهريبها داخل شاحنات مدنية معدّلة تحتوي على مقصورات خشبية سرية. وعند وصولها إلى أهدافها، فتحت الشاحنات أسقفها لتطلق أسراباً من المسيّرات التي نفّذت الضربات بدقة عالية، ثم دمّرت الشاحنات ذاتيًا لإخفاء مصدر العملية.
مؤشرات على استهداف أسطول الشمال النووي
وفي تطور موازٍ، تحدثت تقارير غير مؤكدة عن سماع دوي انفجارات وتصاعد أعمدة دخان في مدينة سيفيرومورسك، القاعدة الرئيسية لأسطول الشمال الروسي، التي تضم غواصات نووية استراتيجية من طراز “ياسين”، و”أوسكار-2″، و”سيرا-2”.
ورغم عدم صدور تأكيد رسمي، إلا أن استهداف هذه القاعدة – التي تُعد من أكثر المواقع حساسية في الترسانة النووية الروسية – يُفسر على أنه تصعيد استراتيجي حاد في التكتيكات الأوكرانية.
تغير في قواعد الاشتباك
يرى خبراء عسكريون أن هذا الهجوم يعكس تحولاً نوعياً في شكل الحرب الحديثة، حيث باتت الطائرات المسيّرة الصغيرة والموجهة قادرة على تنفيذ عمليات دقيقة وبعيدة المدى بتكلفة منخفضة نسبياً، ما قد يغير معادلات الاشتباك التقليدية.
ووفقاً لتقديرات استخباراتية، تصنّع أوكرانيا قرابة 200 ألف مسيّرة شهرياً، معظمها بمكونات محلية، مما يقلل من اعتمادها على الدعم الخارجي، ويمنحها مرونة أكبر في التخطيط والتنفيذ.

رسائل تتجاوز التكلفة
الضربة، التي وُصفت بأنها الأعمق داخل الأراضي الروسية منذ اندلاع النزاع، لا تُعد مجرد نجاح عسكري تكتيكي، بل تُوجه رسالة استراتيجية واضحة: العمق الروسي لم يعد بعيدًا عن متناول الذراع الأوكرانية.
وبينما تتعثر محادثات السلام في إسطنبول دون آفاق واضحة، يبدو أن المعادلة على الأرض تتغير بوتيرة أسرع من قدرة الدبلوماسية على اللحاق بها.
اقرأ أيضًا:
مصر وقطر تواصلان جهود الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة بناء على مقترح ويتكوف