شهدت محافظة السويداء جنوب سوريا أحداثًا دامية أعادت إلى الواجهة هشاشة الاستقرار في البلاد، بعد مقتل عشرات من أبناء الطائفة الدرزية في اشتباكات مسلحة مع القبائل البدوية، ما أثار مخاوف من تفجر أزمة طائفية جديدة في المشهد السوري المعقد.
رغم إعلان وزارة الداخلية السورية أن الاشتباكات ليست طائفية في جوهرها، فإن مراقبين حذروا من أن الصراعات الطائفية تظل حاضرة بقوة، خاصة مع تراكم الأزمات الأمنية والصراعات المحلية التي تشهدها بالبلاد.
دارين خليفة..الحكومة الجديدة سبب في ازمة السويداء
وتوضح دارين خليفة، المستشارة الأولى في مجموعة الأزمات الدولية، أن الأزمة الحالية لا يمكن اختزالها في بُعد طائفي فحسب، إذ تتعلق بمحاولة الحكومة المركزية الناشئة فرض سيطرتها واحتكار القوة، في مقابل جماعات محلية مسلحة تسعى للحفاظ على استقلاليتها العسكرية والإدارية، وهو ما ينطبق على المجتمعات الدرزية والكردية وغيرها.
وأضافت خليفة أن التوترات ستبقى ما لم يتم التوصل إلى تسويات سياسية شاملة، خاصة في ظل شعور الأقليات بالتهديد، واستمرار اتهامات للفصائل الموالية للحكومة بارتكاب ممارسات تزيد من انعدام الثقة.
كما أشارت إلى أن الحكومة السورية، رغم نجاحها في استعادة قدر من السيطرة منذ سقوط الأسد قبل سبعة أشهر، تواجه تحديات كبيرة في دمج الفصائل المسلحة وضبط النفوذ المحلي، بينما تحاول في الوقت نفسه كسر العزلة الخارجية وتخفيف العقوبات الاقتصادية.
اسرائيل تستغل الازمة السورية في قصف دمشق
الأزمة الداخلية سرعان ما تحولت إلى ساحة لتدخلات خارجية، إذ هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بتكثيف الضربات ضد القوات الحكومية السورية في حال عدم انسحابها من مناطق الدروز في السويداء، مؤكدًا أن إسرائيل لن تتخلى عن الدروز وستواصل تطبيق سياسة «نزع السلاح». وأضاف كاتس أن الجيش الإسرائيلي سيستهدف القوات الحكومية حتى انسحابها الكامل، ملوحًا برفع مستوى الرد العسكري في حال تجاهل التحذيرات.
تزامن ذلك مع تجدد الاشتباكات بين القوات الحكومية وما وصفته دمشق بـ«مجموعات خارجة عن القانون»، على الرغم من إعلان وزارة الدفاع السورية عن التوصل إلى «وقف إطلاق نار» مؤقت وانتشار الشرطة العسكرية. وعلى خلفية هذه التطورات، أعرب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن قلق واشنطن من تصاعد العنف، داعيًا إلى حل سلمي وشامل يضمن حقوق جميع المكونات.
وفي خضم هذه التوترات، هزت الرأي العام مشاهد صادمة لانتهاكات ضد مدنيين دروز تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار موجة غضب واسعة وأجبر الرئاسة السورية على إصدار بيان رسمي توعدت فيه بمحاسبة المتورطين. البيان شدد على أن الأفعال «إجرامية وغير قانونية» وتعهد بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدًا التزام الدولة بحماية حقوق أهالي السويداء والحفاظ على استقرارهم.
اسرائيل تشن هجومًا عنيفًا على العاصمة السورية
التصعيد لم يتوقف عند هذا الحد، إذ نفذت إسرائيل ضربات جوية عنيفة استهدفت العاصمة دمشق، شملت مبنى وزارة الدفاع ومنطقة قرب القصر الرئاسي، في مشهد نقلته القنوات المحلية على الهواء مباشرة، حيث ظهرت مذيعة الأخبار وهي تحتمي أثناء القصف. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي أن «الضربات الموجعة بدأت»، فيما أعلنت وزارة الصحة السورية إصابة 13 شخصًا، بينهم مدنيان.
إسرائيل بررت عملياتها بأنها تأتي ضمن التزامها حماية الدروز ومنع أي تهديد ضدهم، فيما شدد وزير الخارجية الإسرائيلي على أن الحملة تهدف أيضًا لحماية الحدود الجنوبية. في المقابل، اعتبرت واشنطن الوضع «مثيرًا للقلق» ودعت جميع الأطراف إلى التهدئة والعودة إلى الحوار، وسط مخاوف من أن تؤدي هذه التطورات إلى إشعال مواجهة إقليمية أوسع تهدد استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
تابع ايضًا..البرلمان الإيراني يرفض استئناف المفاوضات النووية دون شروط مسبقة