تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا تصاعدًا خطيرًا للأحداث بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية محلية وعدد من العشائر العربية والبدو المنتشرين في محيط المحافظة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 600 شخص ونزوح نحو 80 ألف مدني خلال أيام، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية للهجرة.
الأحداث الأخيرة تعكس تشابكًا معقدًا بين الصراعات القبلية والمصالح الإقليمية، وسط اتهامات متبادلة بالتواطؤ مع جهات خارجية ومحاولات لفرض واقع أمني جديد في المنطقة.
من هم العشائر العربية في السويداء؟
تُقدّر أعداد أبناء العشائر العربية (البدو) في السويداء ومحيطها بنحو 250 ألف نسمة، أي ما يعادل ربع سكان المحافظة، وينتشرون في مناطق مثل المقوس والمزرعة والشهبا وعرى، حيث يعتمد معظمهم على الزراعة والرعي.
العشائر العربية تشكل ما بين 10 إلى 15 في المئة من سكان السويداء، وتضم أبرز المجموعات:
العكيدات: من أكبر العشائر العربية في المحافظة، تنتشر في شمالها وشرقها.
البكيرات: متواجدة في القرى الشمالية والشرقية.
العواملة والعبيد: في الريف الشمالي وبعض القرى الصغيرة.
العشائر في سوريا عمومًا تتوزع ضمن ثلاث مجموعات رئيسية:
القبائل البدوية الكبرى (مثل العكيدات، البكارة، شمر، طيّ، الجبور) وتتركز في الشرق (دير الزور، الحسكة، الرقة).
العشائر الريفية والزراعية (في حلب، إدلب، حماة، حمص).
العشائر الكردية والتركمانية والديرية في شمال سوريا (الحسكة، القامشلي، عفرين).
العشائر المتورطة في المواجهات مع الدروز
رصدت تقارير إعلامية تورط فروع من عشيرة الزبيدات، وهي من أكبر عشائر بادية السويداء وريف درعا، في عمليات خطف متبادل واشتباكات مع الفصائل الدرزية، وسط اتهامات لعناصر منها بالتعاون مع بقايا تنظيم داعش.
كما دخلت عشيرة السردية في نزاع دموي إثر احتجاز أفراد منها بتهم تتعلق بالسرقة والخطف، فيما شارك أفراد من عشيرة النعيم (إحدى أكبر عشائر الجنوب) في اشتباكات متفرقة دون تورط رسمي للعشيرة ككل.
وتورطت أيضًا عشيرة الفواعرة، التي تنتشر جنوبًا ووسط سوريا، بتقديم دعم أو غطاء مسلح لبعض العناصر المتورطة في المواجهات.
طبيعة الصراع مع الدروز
الدروز في سوريا لا يُصنفون ضمن البنية القبلية التقليدية كالبدو، بل يشكلون طائفة دينية واجتماعية مستقلة ذات هياكل قيادية تُعرف بـ”البيوت الزعامية”، التي تلعب دورًا مشابهًا للعشائر في التأثير الاجتماعي.
الاشتباكات الأخيرة اندلعت على خلفية حوادث خطف متبادل وسرقة ممتلكات، قبل أن تتطور إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق، دفعت القبائل العربية في سوريا إلى إعلان النفير العام دعماً للعشائر البدوية في السويداء.
التدخلات الإقليمية والمشهد الأمني
سمحت إسرائيل مؤخرًا بـ”دخول محدود” للقوات السورية إلى السويداء لمدة 48 ساعة لضبط الأمن ومنع الانفلات، وسط تقارير عن تنسيق غير معلن بين الجيش السوري وتل أبيب في الجنوب.
ويرى محللون أن الوضع في السويداء يتجاوز كونه صراعًا عشائريًا، إذ قال الباحث السياسي حسن الدغيم حسب “سكاي نيوز عربية”: “العصابات الخارجة عن القانون والمرتبطة بالنظام البائد اعتدت على سيادة المحافظة، ما أدى إلى اشتباكات مع بعض أفراد العشائر.”
فيما اعتبر الصحفي السوري حازم العريضي من ستراسبورغ أن “السلطات الجديدة تسعى لإخضاع السويداء أمنيًا”، مضيفًا: “ما يحدث هو تكرار لنهج النظام السابق في شيطنة السويداء وتحميلها كل الأزمات.”
مع سقوط مئات القتلى ونزوح عشرات الآلاف، تقف السويداء اليوم على حافة أزمة إنسانية وأمنية غير مسبوقة، وسط صراع متعدد الأبعاد يجمع بين التوترات الطائفية والقبلية، والمصالح الإقليمية المعقدة.
اقرأ أيضًا:
أزمة السويداء.. أكثر من 600 قتيل ونزوح جماعي وسط أزمة إنسانية متفاقمة بسوريا
مستقبل الجنوب السوري بين الفوضى والتدخلات الإقليمية
تصاعد الصراع بين الدروز والعشائر العربية في السويداء ينذر بتحويل المحافظة إلى بؤرة توتر مزمنة شبيهة بدرعا، وهو ما قد يعيد رسم خريطة النفوذ في الجنوب السوري. فالمواجهات الدامية تتيح للقوى الإقليمية – وخاصة إسرائيل وإيران وروسيا – تعزيز حضورها الميداني، إذ تسعى تل أبيب لمنع أي تموضع عسكري قرب حدود الجولان، فيما تعمل إيران على توسيع نفوذها عبر دعم مجموعات محلية، وسط مساعٍ روسية لاحتواء الأزمة للحفاظ على استقرار الجنوب.
غياب تسوية سياسية عاجلة قد يفتح الباب أمام تصعيد أوسع، وربما تدخلات مباشرة تعيد إشعال الجبهة الجنوبية بأبعاد تتجاوز البعد القبلي، لتصبح ورقة ضغط جديدة في الصراع الإقليمي والدولي على سوريا.
ويبقى السؤال المطروح: هل يمكن التوصل إلى تسوية تُنهي النزاع أم أن المحافظة ستنزلق نحو صراع طويل الأمد شبيه بما حدث في درعا؟
