تُعقد اليوم الاثنين، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فعاليات المؤتمر الوزاري الدولي الذي دعت إليه فرنسا والسعودية، والمؤجل منذ يونيو الماضي، بهدف وضع خريطة طريق واقعية لتحقيق حل الدولتين، عبر تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.

ويأتي المؤتمر في وقت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، مع تدهور الوضع الإنساني في غزة واستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وهو ما دفع الأمم المتحدة ودولًا أوروبية فاعلة إلى تعزيز الضغط الدولي على إسرائيل وإعادة طرح ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية بقوة على طاولة الدبلوماسية العالمية.

ثلاثة محاور رئيسية: إصلاح السلطة، نزع سلاح حماس، وتطبيع عربي

يركّز المؤتمر، بحسب مصادر أممية، على ثلاثة ملفات محورية:

• إصلاح السلطة الفلسطينية لتكون قادرة على إدارة الدولة المستقلة.

• نزع سلاح حركة حماس واستبعادها من المشهد السياسي الفلسطيني.

• توسيع دائرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل كجزء من إطار شامل للحل.

ويشارك في المؤتمر أكثر من 100 دولة، من بينها السعودية وفرنسا، كما يلقي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة افتتاحية، في حضور رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ونظيره الفرنسي جان نويل بارو.

غياب لافت لإسرائيل والولايات المتحدة

رغم أهمية المؤتمر، تغيب عنه كل من إسرائيل والولايات المتحدة، حيث أكدت صحيفة ذا هيل الأمريكية أن واشنطن اختارت عدم المشاركة، رغم دعمها التاريخي لحل الدولتين، وسط مؤشرات على اختلافات داخل الإدارة الأمريكية بشأن التعامل مع حكومة نتنياهو.

فرنسا تقود حملة أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين

يتزامن المؤتمر مع تصاعد الجهود الفرنسية للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عزمه على القيام بهذه الخطوة بحلول سبتمبر المقبل، لتصبح فرنسا بذلك أول دولة من مجموعة السبع تتخذ هذا القرار التاريخي.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي أن المؤتمر سيشهد إعلان دول أخرى عن نيتها الاعتراف بفلسطين، دون تسميتها، بينما كشفت مصادر في الإليزيه أن “فرنسا لن تكون وحدها”، وسط مساعٍ لإقناع المملكة المتحدة باتخاذ الخطوة نفسها.

من جهتها، أعلنت ألمانيا أنها لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين “في المدى القصير”، وفقًا لما نقلته وسائل إعلام أوروبية.

دعم واسع في الجمعية العامة.. لكن التحديات تزداد

تعترف حتى الآن 142 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة بدولة فلسطين التي أُعلنت رسميًا عام 1988، ومع ذلك، تواجه فكرة تطبيق حل الدولتين تحديات واقعية متفاقمة، أبرزها:

• استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة منذ أكثر من 21 شهرًا.

• التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.

• التصريحات الإسرائيلية الرسمية برفض قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي في هذا السياق: “لم يكن احتمال وجود دولة فلسطينية يومًا أكثر تهديدًا، وفي الوقت نفسه أكثر ضرورة مما هو عليه اليوم”.

اقرأ أيضًا

الهلال الأحمر.. إعداد الفوج الثاني من المساعدات لغزة رغم التحديات اللوجستية

رياض منصور: المؤتمر فرصة فريدة لإنهاء الاحتلال

بدوره، وصف السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور، المؤتمر بأنه يمثل “فرصة نادرة لتحويل الإجماع الدولي إلى خطة تنفيذية واضحة”، مشددًا على أهمية امتلاك “الشجاعة السياسية” لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والبدء الفعلي بمسار السلام.

لجان دولية متخصصة لصياغة مستقبل الدولة الفلسطينية

يستند المؤتمر إلى عمل ثماني لجان دولية بدأت اجتماعاتها منذ يونيو، وتضم دولًا مثل مصر، الأردن، اليابان، إيطاليا، النرويج، بريطانيا، إسبانيا، البرازيل، المكسيك، تركيا، السنغال، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.

وتغطي هذه اللجان ملفات محورية، من بينها:

• السيادة ووحدة الدولة الفلسطينية.

• الأمن وإعادة الإعمار.

• السلام المستدام والاحترام للقانون الدولي.

• النمو الاقتصادي وإمكانية تطبيق خطة “يوم السلام”.

غزة في قلب المؤتمر: أزمة إنسانية غير مسبوقة

تُعد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة أحد المحاور الرئيسية في مداولات المؤتمر، في ظل أكثر من 21 شهرًا من الحرب المتواصلة، ونقص حاد في الغذاء والمياه والدواء، بالرغم من إعلان إسرائيل هدنات إنسانية يومية محدودة في بعض مناطق القطاع.

ويؤكد دبلوماسيون أن المؤتمر يمثل “لحظة مفصلية” في المسار السياسي للمنطقة، ليس فقط على صعيد القضية الفلسطينية، بل في مستقبل العلاقة بين العالم العربي والغرب، ودور الأمم المتحدة كجهة راعية للسلام.

التطلع إلى قمة سبتمبر: اختبار للجدية الدولية

من المخطط أن تُعقد قمة دولية رفيعة المستوى في سبتمبر المقبل، تالية لهذا المؤتمر، لإقرار ما تم التوصل إليه من توصيات ومقترحات ملموسة، في اختبار فعلي لإرادة المجتمع الدولي في إنهاء أطول صراع في الشرق الأوسط المعاصر.