بين السردية المقاومة والصهيونية – أقلام كثيرة، أغلبها مأجور، وبعضها يردد كلامًا دون فهم، تنتقد حرب الفلسطينيين في غزة من أجل تحرير وطنهم. ويرى هؤلاء أن الكفاح المسلح لا يؤدي إلى شيء سوى المزيد من الشهداء والمزيد من الدمار، وهذه في الواقع هي السردية الصهيونية، يرددها بعضهم حتى لو لم يكن يدرك أنه يردد سردية العدو.
منذ عام 1993، توصلت منظمة التحرير إلى اتفاقية مع إسرائيل تُعرف باسم “اتفاقية أوسلو”، تأسست بموجبها السلطة الفلسطينية كسلطة تابعة للاحتلال، تفرض على الفلسطينيين مطالب الاحتلال. وكان المفترض، بحلول عام 1998، أن تنتهي هذه السلطة وتقوم دولة فلسطينية، ولكن إسرائيل قررت أن هذا لن يحدث مهما كان الثمن.
بين السردية المقاومة والصهيونية
هل يمكن تحرير فلسطين بأدوات “كيوت” مثل الابتسامات والمودة ومحاولة إجراء مفاوضات سلمية؟ من الواضح أن الرد بالنفي. هل يجب على الفلسطينيين أن يعيشوا تحت الاحتلال ويستسلموا له وهو يقتل أبناءهم؟ في الأسبوع الذي سبق يوم 7 أكتوبر، قام الجيش الإسرائيلي بعملية في مخيم جنين بدعوى مكافحة الإرهاب، قُتل خلالها 13 فلسطينيًا، لم يكن بينهم ولو واحد فقط عضو في أي منظمة مسلحة أو له أي نشاط مقاوم سابق، ولم يُقتل فيها أي من أعضاء المنظمات المقاومة.
على امتداد العقود السابقة – حسبما ذكره عدد كبير من الجنود الإسرائيليين الذين خدموا في المناطق المحتلة في فترات مختلفة، وتحدث كل منهم على حدة – اعتاد الجيش الإسرائيلي على سلوك وصفوه بأنه “إظهار وجود”. في إطار هذا السلوك، تجري دوريات بمركبات عسكرية مدرعة في كافة المناطق المحتلة ليلًا، وقبيل الفجر بساعتين أو ثلاث، تختار الدورية – بشكل عشوائي تمامًا – بيتًا تقتحمه.
توقظ القوة الأسرة بالكامل، حتى الأطفال المفطومين حديثًا، وتقوم بتفتيش البيت وإهانة رب الأسرة أمام أسرته، وتحبس الأسرة بالكامل في غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ تحت حراسة مسلحة، ثم تتمركز في البيت لبضع ساعات وتتظاهر بتفتيشه حتى طلوع النهار، ثم تنصرف. وإذا أبدى رب الأسرة أي اعتراض، يمكن أن تعتقله أثناء انصرافها. وخلال هذه النوعية من العمليات، كثيرًا ما قُتل بعض أرباب الأسر الفلسطينية “بالخطأ”. ولا أحد يحاسب جنود الاحتلال على ذلك.
يدّعي المعارضون للمقاومة الفلسطينية أن غزة كانت تحيا حياة طبيعية، وأن المقاومة تسببت في تدميرها؛ وهذه للأسف سردية غير حقيقية، يتناقلونها إما عن جهل أو عن سوء نية.
لم تكن الحياة في غزة طبيعية أبدًا منذ عام 1967، وكان هناك شهداء يسقطون فيها بشكل شبه يومي، ويزيد عددهم في حالة وجود اشتباكات.
لمن يريد معرفة الحقيقة بحق؛ يكفي أن يعلم أن شركات سياحة إسرائيلية كانت، في الفترة السابقة على 7 أكتوبر، تروج لباقات سياحية تتيح للسائح “التجربة الإسرائيلية”، حيث يقيم لعدة أيام في كيبوتس، ثم يخدم في الجيش الإسرائيلي لبضعة أيام، يشارك خلالها في “رحلة صيد” مع دورية عسكرية إسرائيلية، مرتديًا الزي العسكري الإسرائيلي، ليصطاد مواطنين فلسطينيين عزل (نعم، يصطادهم كما يتم صيد الحيوانات في الغابة، فهذا جزء من “التجربة الإسرائيلية”). بعدها، يعود السائح إلى بلده بعد أن أشبع غريزته في القتل.
البعض يوغل في تبني السردية الصهيونية، ويقول إن منظمة حماس جزء من الإخوان المسلمين الذين خربوا مصر ويدمرون غزة، وهذه سردية صهيونية تمامًا وغير صحيحة. فحماس تنظيم مقاوم، وعقيدة الإخوان ليست عقيدة مقاومة، بل عقيدة سلطوية. فلا يوجد أي اتفاق في العقيدة المقاومة بين حماس والجهاد وبين الإخوان.
ونفس هؤلاء الذين يروجون لفكرة أن حماس جزء من الإخوان، هم الذين قالوا إنهم يأخذون على الإخوان أنهم اتفقوا على التنازل عن سيناء. وهؤلاء يتناسون أيضًا – رغبة منهم في تكريس السردية الصهيونية – أن غزة ليست حماس فقط، بل تضم مجموعة كبيرة من المنظمات المقاومة من كافة الأطياف، التي تتفق على مقاومة الاحتلال (وهو حق يكفله القانون الدولي). ومن بين هذه المنظمات، توجد منظمات يسارية مثل الجبهة الشعبية، التي تتبنى خيار المقاومة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها بأنها منظمة ذات توجه ديني أو الاشتباه في تحالفها مع حركة إخوانية.
أما عن القتل والتدمير في غزة، فهذه ضريبة وطنية. ولا يغيب عن أذهاننا أن الجزائر قدمت في حرب التحرير مليونين من الشهداء، وسبعة ملايين في الأعوام السابقة على الحرب، ودمر الاستعمار الفرنسي مدنًا وقرى عديدة في الجزائر، انطلقت منها عمليات المقاومة. ولم يطلب أحد من المقاومة أن تتوقف استرضاءً للاستعمار. وطوال التاريخ، كانت عمليات مقاومة الاستعمار في كل أنحاء العالم وفي كل الأزمنة توصف بأنها إرهاب، وهذه سردية استعمارية مرفوضة.
أخيرًا، لا تشرفني أبدًا الصداقة الافتراضية مع شخص يتبنى السردية الصهيونية، أو يحاول تلفيق علاقة بين المقاومة والإخوان، في محاولة لإيجاد مدخل له إلى منصب أو سلطة. تستطيع أن تقول في الإخوان ما قاله مالك في الخمر، فهذا شأنك وموقفك من صراع سياسي محلي، ولكن لا تُدخل مقاومة الاحتلال في هذا، فدماء الشهداء أشرف من كل المزايدات.
من يجد كلامي لا يخدم مصالحه، يستطيع ببساطة إلغاء الصداقة. ومن جانبي، أنوي إلغاء صداقة أي شخص أجد له منشورًا يتبنى السردية الصهيونية، حتى لو كان حسن النية.