انطلقت اليوم في العاصمة العراقية بغداد أعمال القمة العربية العادية الـ34 “قمة بغداد”، في لحظة فارقة تمر بها المنطقة العربية، على وقع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة للشهر التاسع عشر على التوالي، وما نتج عنها من كارثة إنسانية غير مسبوقة، وضعت القضية الفلسطينية مجددًا في صدارة أولويات القادة العرب المجتمعين.
حضور عربي ودولي لافت في قمة بغداد
وقد شهدت قمة بغداد حضورًا عربيًا ودوليًا بارزًا، حيث شارك عدد من الزعماء شخصيًا، من بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي. كما ترأس عادل الجبير وفد السعودية، بينما قاد الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وفد الإمارات. ومثّل سوريا وزير خارجيتها أسعد الشيباني.
الحضور الدولي كان لافتًا أيضًا بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيرز، ما منح القمة بُعدًا سياسيًا دوليًا إضافيًا.
“لا للتهجير”: موقف عربي موحد من غزة في قمة بغدتد
تحت شعار “لا للتهجير”، عبّر القادة العرب في قمة بغداد عن رفضهم المطلق لمحاولات فرض وقائع جديدة في غزة عبر التهجير القسري، مؤكدين على وحدة الأرض الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وقد برز الدور العراقي بشكل خاص في القمة، إذ أعلنت بغداد موقفها الرافض للتهجير على لسان الرئيس ورئيس الوزراء، وطرحت مبادرة عملية تمثّلت في تأسيس “الصندوق العربي للتعافي من الحروب”، برأسمال أولي قدره 20 مليون دولار، دعمًا لسكان غزة وتثبيتهم على أرضهم، تمهيدًا لمرحلة إعادة الإعمار.

إعلان قمة بغداد: فلسطين أولًا
وتصدّرت القضية الفلسطينية النسخة النهائية من “إعلان قمة بغداد”، التي أكدت على مركزية هذه القضية وضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، ووقف جميع الأعمال العدائية ضد المدنيين.
ودعا الإعلان إلى دعم رؤية الرئيس محمود عباس لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، والتمسك بمرجعية “النظام الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد”، مع تمكين حكومة دولة فلسطين من بسط سلطتها على قطاع غزة ضمن وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
كما دعا الإعلان إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية عامة خلال عام واحد في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، مع توفير الظروف الملائمة لذلك.
وتضمن الإعلان دعمًا لعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى في يونيو المقبل، برعاية السعودية وفرنسا، لتفعيل حل الدولتين، كما أثنى على جهود الجزائر في مجلس الأمن في دعم القضية الفلسطينية.
سوريا واليمن والسودان: نحو حلول سياسية شاملة
على صعيد الأزمات الإقليمية الأخرى، أكّد إعلان بغداد دعم مؤتمر حوار وطني شامل في سوريا، يشمل كل مكونات المجتمع السوري، مع حذف الفقرة التي كانت تشير إلى استعداد العراق لاستضافة المؤتمر، في خطوة تعكس الحياد وتشجيع التوافق العربي.
أما اليمن، فقد جدد الإعلان دعمه لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، وأيّد جهود الحكومة اليمنية لتحقيق المصالحة الوطنية، وتوحيد الصف، استنادًا إلى المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216.
وفيما يخص السودان، شدد إعلان قمة بغداد على ضرورة تشكيل حكومة مدنية مستقلة ومنتخبة، مع تأكيد التضامن مع الشعب السوداني ودعمه في حماية سيادته ووحدة أراضيه. كما دعا إلى بحث إمكانية استئناف مسار مفاوضات جدة والتأكيد على جهود مجموعة الاتصال العربية في هذا الشأن.
مبادرات عراقية: من الخطابة إلى الفعل
اختُتمت قمة بغداد بإطلاق العراق 16 مبادرة عربية، أبرزها:
- المبادرة العربية للدعم الإنساني والتنموي: تأسيس صندوق عربي لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار من آثار الأزمات، برأسمال أولي قدره 20 مليون دولار.
- العهد العربي لدعم الشعب السوري: دعم عملية انتقالية سياسية شاملة في سوريا، تشمل جميع مكونات الشعب السوري.
- غرفة التنسيق الأمني العربي المشترك: إنشاء غرفة تنسيق أمني مشترك لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
- مجلس وزراء التجارة العرب: اقتراح إنشاء مجلس وزراء التجارة العرب لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي ومواجهة التحديات الراهنة.
- المنطقة التجارية الحرة العربية الكبرى: التأكيد على أهمية إقامة منطقة تجارية حرة عربية كخطوة تنفيذية نحو تعزيز التعاون الاقتصادي.
- الاتحاد العربي التنموي: اقتراح إقامة اتحاد عربي تنموي لتعزيز التعاون في مجالات التنمية المستدامة.
- خطة لإعادة إعمار غزة: مناقشة خطة لإعادة إعمار غزة ودعم الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الإنسانية.
- دعم الشعبين السوداني واليمني: تقديم الدعم للشعبين السوداني واليمني في ظل الأزمات التي يواجهانها.
- خطة تطوير التعليم الفني والمهني: إعداد خطة تطوير شاملة لمنظومة التعليم الفني والمهني في الدول العربية.
- البرنامج الإقليمي للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة العربية: خطة عمل تنفيذية لتمكين المرأة العربية اقتصاديًا واجتماعيًا.
- التمويل المستدام في المنطقة العربية: مبادرات لتعزيز التمويل المستدام في الدول العربية.
- دعم جهود المصالحة الوطنية في اليمن: مساندة جهود الحكومة اليمنية الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد الصف الوطني.
- تأكيد الدعم لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن: تأكيد الدعم الثابت لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي.
- تشكيل حكومة مدنية مستقلة ومنتخبة في السودان: الدعوة إلى تشكيل حكومة مدنية مستقلة ومنتخبة في السودان.
- استئناف مسار جدة للتوصل إلى الحلول السلمية في السودان: بحث إمكانية الدعوة لاستئناف مسار جدة للتوصل إلى الحلول السلمية المستدامة في السودان.
- مواصلة جهود مجموعة الاتصال العربية بشأن السودان: دعوة مجموعة الاتصال العربية المشكلة من وزراء خارجية السعودية ومصر والأمين العام لجامعة الدول العربية إلى مواصلة جهودهم ومساعيهم الحميدة بغية التوصل إلى حلول تلبي التطلعات السودانية في الاستقرار والتنمية.
نحو مرحلة عربية جديدة
تعكس قمة بغداد نقلة نوعية في الأداء العربي المشترك، حيث تجاوزت البيانات التقليدية إلى مبادرات عملية، في لحظة مفصلية تعاني فيها المنطقة من أزمات متشابكة. وكانت الرسالة الأوضح التي خرجت من العاصمة العراقية هي أن القضية الفلسطينية ليست مجرد بند متكرر على جدول القمم، بل عنوان نضال وكرامة عربية.
اقرأ أيضًا: