كشف باحثون أن أدوية يتناولها الملايين قد تكون مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بمرض العصبون الحركي، وهو اضطراب عصبي مدمر لا علاج له.
ووفقًا لدراسة رئيسية حديثة، فإن مضادات الاكتئاب، التي يُقدّر عدد مستخدميها بنحو 8.6 مليون شخص في المملكة المتحدة وحدها، قد تزيد من احتمال الإصابة بهذا المرض المنهك.
تحذير طبي من أدوية شائعة
الدراسة، التي أجراها باحثون من دول إسكندنافية، أشارت إلى أن الخطر لا يقتصر على مضادات الاكتئاب فقط، بل يشمل أيضًا أدوية شائعة أخرى، مثل مضادات القلق، وحبوب النوم، والمهدئات.
وجميع هذه الأدوية ارتبطت بزيادة في معدلات الإصابة بمرض العصبون الحركي، وهو مرض تقدمي يُعرف بأن أكثر أشكاله شيوعًا هو التصلب الجانبي الضموري (ALS). وهذا المرض يؤدي إلى تدهور تدريجي في الخلايا العصبية المسؤولة عن الحركة، ويؤدي بمرور الوقت إلى فقدان القدرة على المشي والكلام والأكل، ومن ثم الوفاة.
وبيّنت نتائج الدراسة أن مجرد وصف أي من هذه الأدوية مرتين فقط على مدار حياة الشخص قد يزيد من خطر الإصابة بالمرض بنسبة تصل إلى 34%. كما أن هذا الخطر يظل قائمًا حتى لو تم استخدام الدواء قبل أكثر من خمس سنوات من تشخيص الحالة.
مع ذلك، دعا عدد من العلماء إلى التعامل بحذر مع هذه النتائج. وأشاروا إلى أن الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب، قد يكونون أكثر عرضة وراثيًا للإصابة بالمرض، مما يعني أن الحاجة إلى الدواء قد تكون مؤشرًا على قابلية وراثية للمرض، وليس سببًا مباشرًا له.
وأكد البروفيسور عمار الجلبي، المتخصص في علم وراثة الأمراض المعقدة في كلية كينجز كوليدج لندن، على أهمية عدم الخلط بين الارتباط والسببية. وقال: “نعلم أن هناك تداخلًا بين بعض المتغيرات الجينية التي تزيد من احتمال الإصابة بالفصام وتلك التي تزيد من احتمال الإصابة بالتصلب الجانبي الضموري، لذا قد لا يكون استخدام الدواء هو المسبب، بل الحاجة إليه تعكس استعدادًا جينيًا قائمًا بالفعل”.
حالات مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم
ووفقًا لمؤلفي الدراسة، فإن حالات مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم قد ثبت أن لها تأثيرات سلبية على خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى تغيرات هيكلية في الدماغ تتزامن مع التغيرات المرتبطة بمرض التصلب الجانبي الضموري.
ويُعتبر مرض العصبون الحركي من الحالات العصبية التقدمية، حيث يصيب قرابة 5000 بالغ في المملكة المتحدة. وقد كان الفيزيائي الراحل ستيفن هوكينج من أشهر من عاشوا مع هذا المرض لسنوات طويلة.
الدراسة أُجريت في السويد، وشملت تحليل بيانات 1057 مريضًا تم تشخيصهم بالمرض بين يناير 2015 ويوليو 2023، بمتوسط عمر بلغ 67 عامًا. وتمت مقارنة بياناتهم مع مجموعة من الأصحاء للبحث عن عوامل خطر مشتركة.
أظهرت النتائج التي نُشرت في مجلة JAMA Network Open أن استخدام مضادات القلق بوصفة طبية ارتبط بزيادة خطر الإصابة بنسبة 34%، بينما ارتبط استخدام مضادات الاكتئاب بنسبة 26%، والمهدئات وحبوب النوم بنسبة 21%. كما لاحظ الباحثون أن تناول مضادات الاكتئاب قبل تشخيص المرض ارتبط بمعدل أسرع في التدهور الوظيفي.
وعلق الدكتور شاريلاوس تشوربيلياديس، الباحث الرئيسي في الدراسة، بأن هناك حاجة ماسة لمزيد من الدراسات لفهم طبيعة هذا الرابط، لكنه أشار إلى أن متابعة المرضى الأصغر سنًا ممن يعانون من أعراض نفسية قد يساعد في التشخيص المبكر لمرض التصلب الجانبي الضموري.
من جانبه، أبدى الدكتور برايان ديكي، كبير العلماء في جمعية أمراض العصبون الحركي، تحفظاته على نتائج الدراسة، مشيرًا إلى أن العوامل الجينية، مثل الطفرات في جين C9orf72، قد تكون مسؤولة عن ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض في الدول الإسكندنافية. وأوضح أن هذا الجين يُعد من أكثر عوامل الخطر الوراثي شيوعًا، وقد يؤدي إلى استخدام متزايد للأدوية النفسية، وفي الوقت نفسه يرتبط بتطور أسرع للمرض وفترة بقاء أقصر، وهو ما قد يفسر العلاقة التي لاحظها الباحثون بين هذه الأدوية وشدة المرض.
وفي ضوء كل ما سبق، شدد الخبراء على أهمية إجراء المزيد من الأبحاث قبل التوصل إلى استنتاجات قاطعة بشأن العلاقة بين الأدوية النفسية ومرض العصبون الحركي، مؤكدين ضرورة النظر في الخلفية الجينية للمصابين عند تحليل نتائج كهذا.