في تقرير حديث، خفّضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية “ستاندرد آند بورز” نظرتها المستقبلية لـ الاقتصاد المصري من “إيجابية” إلى “مستقرة”، في ظل ما وصفته بتزايد الضغوط المالية وعودة التقلبات إلى الأسواق العالمية نتيجة التوترات التجارية، وعلى رأسها الرسوم الجمركية الأميركية.
تأثير الأوضاع العالمية على الاقتصاد المصري
وأوضحت الوكالة أن وتيرة الإصلاح المالي في مصر قد تشهد تباطؤًا خلال الفترة المقبلة بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية، ما قد يدفع مستثمري أدوات الدين إلى البحث عن استثمارات خالية من المخاطر، في إشارة إلى احتمالية خروج مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية السريعة أو ما يُعرف بـ”الأموال الساخنة”.

ورغم التحديات، أشادت “ستاندرد آند بورز” بالتزام الحكومة المصرية بترك سعر الصرف لقوى السوق، واستمرار التعاون مع صندوق النقد الدولي ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، مما يعزز فرص تحقيق نمو مستدام وانضباط مالي في الفترة من 2025 إلى 2028.
وتوقعت الوكالة أن يبلغ متوسط النمو الاقتصادي المصري نحو 4.1% في الفترة ما بين 2025 و2028، مقارنة بـ3.5% في العام المالي الحالي، مدعومًا بقطاعات رئيسية أبرزها: الطلب المحلي، البناء، السياحة، تكنولوجيا المعلومات، التجارة، الزراعة، والرعاية الصحية.
تحديات هيكلية أمام الاقتصاد المصري
ورصد التقرير تحديات بنيوية قد تعيق تحقيق معدلات النمو المستهدفة في الاقتصاد المصري، من بينها اتساع حجم الاقتصاد غير الرسمي، وضعف الحوكمة في الشركات المملوكة للدولة، إضافة إلى القيود المفروضة على المنافسة والتي تحد من فاعلية دور القطاع الخاص.
الاقتصاد الكلي تطلعات وتقديرات
بحسب التقرير، من المتوقع أن يتجاوز حجم الاقتصاد المصري حاجز 500 مليار دولار بحلول 2027/2028، مع بلوغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 29.4 تريليون جنيه. كما توقعت الوكالة تسارع النمو تدريجيًا ليصل إلى 4.6% بحلول نهاية الفترة.
عجز الحساب الجاري.. ضغوط إقليمية وعائدات متقلبة
أشارت الوكالة إلى أن تصاعد التوترات الجيوسياسية، لاسيما في قطاع غزة والبحر الأحمر، أعاد تهديد سلاسل الإمداد والملاحة في قناة السويس، ما انعكس على تراجع إيراداتها. وقدّر التقرير عجز الحساب الجاري بنحو 5.4% من الناتج المحلي في العام الماضي، متوقعًا وصوله إلى 5.5% في العام الحالي قبل أن ينخفض تدريجيًا إلى 4.4% في العام المالي المقبل.
في المقابل، لفت التقرير إلى انتعاش قوي في عائدات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، مع استمرار هذا الاتجاه في السنوات المقبلة.
التجارة العالمية وتأثيرها على مصر
نبهت “ستاندرد آند بورز” إلى أن التوترات التجارية المتصاعدة، خصوصًا تلك المرتبطة بالسياسات الجمركية الأميركية، من شأنها أن تشدّد الأوضاع المالية العالمية وتزيد من الضغوط على اقتصادات الأسواق الناشئة. ومع ذلك، فإن تراجع أسعار النفط قد يُسهم في تخفيف بعض الأعباء على مصر باعتبارها دولة مستوردة للطاقة.
ميزان المدفوعات والاحتياطيات
توقعت الوكالة أن يبدأ سعر الصرف الأكثر تنافسية في دعم الصادرات المصرية، بالتوازي مع تدفقات تحويلات العاملين بالخارج، ما يدعم تقليص عجز الحساب الجاري. كما رجحت أن يسجّل ميزان المدفوعات فائضًا حتى 2026/2027، على أن ترتفع احتياطيات البنك المركزي إلى 53 مليار دولار بحلول 2028.
التضخم وتوقعات سعر الصرف
شهدت معدلات التضخم تراجعًا ملحوظًا في فبراير 2025 إلى 12.8%، مقابل 24% في يناير، مدعومة بعوامل مؤقتة، منها سنة الأساس. ووفق التقديرات، يُتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 21.6% خلال 2024/2025، على أن ينخفض تدريجيًا إلى 10% بحلول 2027/2028.
أما بالنسبة لسعر الصرف، فقدّرت الوكالة أن يصل متوسط سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى 52.5 جنيهًا في 2025، ويرتفع تدريجيًا ليصل إلى 60 جنيهًا للدولار في نهاية 2028.
“فيتش” تثبّت التصنيف الائتماني لمصر عند “B” مع نظرة مستقبلية مستقرة
وفي المقابل، ثبتت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني تصنيف مصر الائتماني طويل الأجل للعملات الأجنبية عند مستوى “B”، مع نظرة مستقبلية مستقرة، في تقرير صدر حديثًا سلّط الضوء على مزيج من العوامل الإيجابية والتحديات المالية التي تواجه الاقتصاد المصري.
وأشارت “فيتش” إلى أن تصنيف مصر يستند إلى دعائم قوية، أبرزها الحجم الكبير للاقتصاد، والإمكانات العالية للنمو في الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الدعم القوي من شركاء دوليين وثنائيين. ومع ذلك، أوضحت الوكالة أن هذه الإيجابيات تتوازن مع عدد من التحديات الهيكلية، ما أدى إلى الإبقاء على التصنيف دون تعديل.
ومن بين أبرز هذه التحديات، ضعف الوضع المالي للحكومة نتيجة ارتفاع أعباء الفائدة مقارنة بالإيرادات، والاحتياجات الكبيرة من التمويل الخارجي، فضلاً عن تذبذب تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية (الأموال الساخنة)، واستمرار مستويات التضخم المرتفعة، بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسية في المنطقة.
وفيما يتعلق بالاحتياطيات النقدية، أوضحت الوكالة أن مصر نجحت في الحفاظ على احتياطياتها من النقد الأجنبي، خاصة بعد حصولها على دفعة مالية في الربع الأول من 2024 نتيجة صفقة “رأس الحكمة”، إلى جانب تدفقات قوية من رؤوس الأموال الأجنبية إلى سوق الدين المحلي. وبلغت الاحتياطيات الدولية 45.5 مليار دولار في مارس 2025، بعد ارتفاعها بنحو 12.4 مليار دولار منذ بداية العام ما أثر إيجابا على الاقتصاد المصري.
كما تحسن صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي بشكل كبير، من عجز قدره 17.6 مليار دولار في يناير 2024 إلى فائض بـ2.8 مليار دولار في يونيو من نفس العام، قبل أن يتراجع مرة أخرى إلى عجز بـ1.9 مليار دولار في فبراير 2025، في ظل خروج معتدل لرؤوس الأموال، ما ساعد على الحد من تدهور سعر صرف الجنيه.
وتوقعت “فيتش” أن يتسع العجز في الحساب الجاري خلال السنة المالية 2025 بنحو 0.2% ليصل إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، على أن يتراجع إلى 4.0% في العام المالي التالي، بدعم من تعافي قطاع الطاقة نتيجة عودة استثمارات الشركات العالمية جزئيًا، وانخفاض تكلفة استيراد الغاز.
وفي ختام تقريرها، أكدت الوكالة أن التأثيرات المباشرة لأي رسوم جمركية أميركية أو خفض في المساعدات الأميركية ستكون محدودة على الاقتصاد المصري في الوقت الراهن.
اقرأ أيضًا:
ثروات المليارديرات تحت رحمة قرارات ترامب.. مكاسب 304 مليارات بعد تأجيل الرسوم الجمركية