في الوقت الذي تعوّل فيه الولايات المتحدة على انتعاش قطاع السياحة الأمريكية كأحد المحركات الرئيسية لتعافي اقتصادها بعد سنوات من الاضطراب، جاءت الأرقام الأخيرة لتدق ناقوس الخطر، فقد سجّل شهر مارس/آذار الماضي تراجعًا مفاجئًا وكبيرًا في أعداد الزوار الأجانب، مثيرًا تساؤلات حول الأسباب والدلالات، ومسلطًا الضوء على مخاوف متزايدة من ممارسات الدخول والسياسات الأمنية التي بدأت تنعكس سلبًا على سمعة الوجهة السياحية الأشهر في العالم.
وكشفت بيانات حكومية أميركية عن انخفاض ملحوظ في أعداد السياح الأجانب الوافدين إلى الولايات المتحدة خلال شهر مارس/آذار الماضي، في مؤشر مقلق لصناعة السياحة الأميركية التي بدأت بالكاد تتعافى من آثار جائحة كورونا.

12% انخفاض في السياحة الأمريكية بمارس
وبحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، نقلاً عن إدارة التجارة الدولية التابعة لوزارة التجارة الأميركية، فقد تراجع عدد الزوار الأجانب بنسبة 12% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وسُجل أكبر انخفاض بين الزوار القادمين من ألمانيا بنسبة بلغت 28%، ما يعكس أزمة ثقة متزايدة بين المسافرين الأوروبيين.
أول انتكاسة كبيرة منذ الجائحة
وكان هذا التراجع بمثابة أول انتكاسة كبيرة منذ فترة الجائحة، بعد انخفاض طفيف بنسبة 2% في فبراير/شباط. الخبراء يحذرون من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى خسائر تقدر بمليارات الدولارات لقطاع السياحة، الذي يُعد أحد ركائز الاقتصاد الأميركي.
وأظهرت البيانات انخفاضاً عاماً في عدد الزوار من عدة مناطق حول العالم؛ حيث تراجعت أعداد السياح من أوروبا الغربية بنسبة 17%، ومن أميركا الوسطى بنسبة 24%، ومن الصين بنسبة 11%، خلال مارس/آذار.
مخاوف من الاعتقال والاحتجاز
وتشير التقارير إلى أن التراجع لا يرتبط فقط بالعوامل الاقتصادية، بل أيضاً بمخاوف أمنية متزايدة لدى السياح الأجانب، بعد تواتر حالات احتجاز ومنع دخول حتى لأولئك الذين يحملون وثائق سفر سليمة. وشملت هذه الحوادث مواطنين ألمان تم توقيفهم واحتجازهم في مرافق الترحيل لأيام أو حتى أسابيع.
من جانبه، حاول وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو تهدئة المخاوف، مؤكدًا أن من لا يخططون لأعمال شغب أو دعم حركات محظورة لا ينبغي أن يشعروا بالقلق من دخول البلاد.
السياسة الداخلية تُبعد السياح
وفي تصريح لصحيفة واشنطن بوست، قال خبير السياحة آدم ساكس إن الانخفاض في أعداد الزوار كان متوقعاً، مرجحاً أن يكون للخطاب السياسي والانقسامات الداخلية التي تصدّرت المشهد الأميركي – لا سيما في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب – دور كبير في ذلك.
أرقام ناقصة ومخاوف مستمرة
ورغم هذا التراجع، لم تُعلن حتى الآن الأرقام الكاملة لعدد الزوار، حيث لا تزال البيانات المتعلقة بالوافدين من المكسيك وكندا – وهما أكبر مصدرين للسياح إلى الولايات المتحدة – غير مكتملة.
وتأتي الدول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، إلى جانب المملكة المتحدة، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند، ضمن أهم الأسواق السياحية للولايات المتحدة، ما يزيد من أهمية هذا التراجع كمؤشر مقلق لمستقبل هذا القطاع.
في ظل هذا التراجع اللافت في أعداد السياح الأجانب، تقف الولايات المتحدة أمام مفترق طرق حاسم بشأن مستقبل قطاع السياحة الأمريكية، الذي لطالما شكل مصدر دخل ضخم وداعمًا رئيسيًا لفرص العمل. وبينما يسارع المسؤولون لتقديم تطمينات ووعود بتحسين إجراءات الدخول وتعزيز الصورة الذهنية للبلاد، يبقى نجاح هذه الجهود رهينًا بقدرة واشنطن على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن القومي والانفتاح على العالم.
فالمنافسة السياحية العالمية تزداد شراسة، والدول التي تخلق بيئة ترحيبية وآمنة للمسافرين هي التي ستفوز بثقة السائح العالمي. أما الاستمرار في السياسات المتشددة والرسائل المتضاربة، فقد يعني فقدان موقع ريادي كانت الولايات المتحدة تتصدره لسنوات طويلة.
اقرأ أيضًا: