بين حليفين تجمعهما المصالح وتقسمهما حرب الرسوم الجمركية، تدور مفاوضات شاقة تشوبها التوترات والتصريحات الحذرة، اليابان، التي لطالما كانت شريكاً اقتصادياً وثيقاً للولايات المتحدة، تجد نفسها اليوم في مواجهة إجراءات جمركية غير مسبوقة تهدد أحد أهم أعمدة اقتصادها: صناعة السيارات، وفي ظل تصاعد لغة “المعاملة بالمثل” من جانب واشنطن، ترفع طوكيو سقف مطالبها، رافضة أي حلول جزئية، ومصرّة على مراجعة شاملة للاتفاقات التجارية.
حرب الرسوم الجمركية تفاقم الخلاف بين اليابان وأمريكا
وفي هذا الصدد، أكد المفاوض الياباني بشأن الرسوم الجمركية الأميركية، ريوسي أكازاوا، أن بلاده ترفض التوصل إلى أي اتفاق جزئي مع الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة مراجعة شاملة لكافة التدابير المتعلقة بالرسوم المفروضة. جاء ذلك عقب جولة جديدة من المحادثات التجارية التي وصفها أكازاوا بأنها شهدت “تقدماً”، لكنه أوضح أن الخلافات الجوهرية ما تزال قائمة بين الطرفين.

وأشار أكازاوا، الذي يشغل منصب وزير الإنعاش الاقتصادي، في تصريحات صحفية لدى عودته من واشنطن، إلى أن طوكيو أبلغت الجانب الأميركي بوضوح أن الاتفاقات الجمركية الحالية “مؤسفة”، مؤكداً أنه “لن يكون هناك تفاهم دون تضمين المراجعة الشاملة في أي اتفاق نهائي”.
الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات
وتواجه اليابان، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة والمصدر الأكبر للاستثمارات الأجنبية هناك، منذ مطلع أبريل/نيسان الماضي، رسوماً جمركية أميركية بنسبة 10%، إضافة إلى رسوم إضافية تصل إلى 25% على واردات السيارات والصلب، في إطار سياسة تجارية وصفت بـ”الحمائية”. وتعد صناعة السيارات ركيزة أساسية في الاقتصاد الياباني، إذ تشكل نحو 30% من صادرات طوكيو إلى السوق الأميركية، وتوظف ما يقارب 8% من القوى العاملة في البلاد.
وفي تطور يزيد من تعقيد المشهد، تواجه اليابان تهديداً بفرض رسوم جديدة تصل إلى 24% على جميع صادراتها إلى الولايات المتحدة، بموجب مبدأ “المعاملة بالمثل”، إلا أن هذه الخطوة لا تزال معلقة حتى يوليو/تموز المقبل.
توتر في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين
من جانبه، وصف رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بأنها “تمر بمرحلة صعبة”، مشيراً إلى أن “البلدين لا يزالان بعيدين عن التوصل إلى أرضية تفاهم مشتركة”.
وانتقد إيشيبا القرار الأميركي بفرض رسوم بنسبة 25% على قطع غيار السيارات المستوردة، معتبراً إياه “إجراءً مؤسفاً”، وأكد أن طوكيو ستواصل الضغط لإعادة النظر فيه، لما يمثله من تهديد مباشر لقطاع الصناعات التحويلية الحيوي في اليابان.
في المقابل، تتمسك الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بسياسة فرض الرسوم الجمركية كأداة لتعزيز الاقتصاد المحلي. وقد دافع ترامب عن قراراته قائلاً إن بلاده “ستجني مليارات الدولارات من خلال هذه الرسوم”، في إشارة إلى استراتيجية الضغط الاقتصادي التي شملت الصين وعدداً من الشركاء التجاريين.
وتسعى واشنطن إلى توسيع نطاق المحادثات لتشمل ما يسمى بـ”الرسوم الجمركية المتبادلة الأوسع”، والتي من المنتظر أن تدخل حيز التنفيذ في يوليو المقبل، بينما تحاول طوكيو تركيز المفاوضات على قطاع السيارات، في محاولة لحماية عمودها الصناعي من تداعيات حرب تجارية أو “حرب الرسوم الجمركية” تلوح في الأفق.
في ظل هذا التصعيد، تبدو آفاق التوصل إلى اتفاق شامل بين طوكيو وواشنطن غامضة، في وقت تتزايد فيه الضغوط على الطرفين لتجنب انزلاق اقتصادي أوسع قد يؤثر على استقرار الأسواق العالمية نتيجة حرب الرسوم الجمركية.

مستقبل العلاقات التجارية بين طوكيو وواشنطن على المحك
وفي ظل حرب الرسوم الجمركية الحالية، تُظهر المعطيات الحالية أن مستقبل العلاقات التجارية بين اليابان والولايات المتحدة يمر بمرحلة دقيقة تتطلب حنكة دبلوماسية وتنازلات متبادلة، ففي ظل تمسك طوكيو بموقفها الرافض لاتفاقات مجتزأة، وسعي واشنطن لفرض شروطها تحت شعار “المعاملة بالمثل”، تلوح في الأفق أزمة تجارية قد تمتد آثارها إلى سلاسل التوريد العالمية وأسواق المال بسبب حرب الرسوم الجمركية.

ويرى مراقبون أن نجاح المفاوضات القادمة سيكون مرهوناً بقدرة الطرفين على تجاوز الحسابات السياسية الداخلية، والتركيز على بناء شراكة اقتصادية عادلة ومستقرة، وحتى ذلك الحين، ستبقى الأسواق العالمية تترقب ما إذا كانت المصالح الاستراتيجية المشتركة ستتغلب على الخطابات التصعيدية والنزعة الحمائية المتزايدة.
اقرأ أيضًا:
ترامب في ولايته الثانية.. يربك الاقتصاد العالمي ويدفع الحلفاء نحو الصين